كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 1)

(بَعْدَ دَبْغِهِ) بِمَا يُزِيلُ الرِّيحَ وَالرُّطُوبَةَ وَيَحْفَظُهُ مِنْ الِاسْتِحَالَةِ وَلَا يَفْتَقِرُ الدَّبْغُ إلَى فِعْلِ فَاعِلٍ، فَإِنْ وَقَعَ الْجِلْدُ فِي مَدْبَغَةٍ طَهُرَ أَيْ لُغَةً وَلَا كَوْنُ الدَّابِغِ مُسْلِمًا (فِي يَابِسٍ) كَالْحُبُوبِ (وَ) فِي (مَاءٍ) لِأَنَّ لَهُ قُوَّةَ الدَّفْعِ عَنْ نَفْسِهِ لِطَهُورِيَّتِهِ فَلَا يَضُرُّهُ إلَّا مَا غَيَّرَ أَحَدَ أَوْصَافِهِ الثَّلَاثَةِ لَا فِي نَحْوِ عَسَلٍ وَلَبَنٍ وَسَمْنٍ وَمَاءِ زَهْرٍ وَيَجُوزُ لُبْسُهَا فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ لَا فِيهَا لِنَجَاسَتِهَا (وَفِيهَا كَرَاهَةُ الْعَاجِ) أَيْ نَابِ الْفِيلِ الْمَيِّتِ قَالَ فِيهَا لِأَنَّهُ مَيْتَةٌ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمُ فَيَكُونُ اسْتِشْهَادًا لِمَا قَدَّمَهُ مِنْ نَجَاسَتِهِ وَقِيلَ الْكَرَاهَةُ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فَيَكُونُ اسْتِشْكَالًا وَأَمَّا الْمُذَكَّى وَلَوْ بِعُقْرٍ فَلَا وَجْهَ لِكَرَاهَتِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْيَابِسَاتِ وَالْمَاءِ كَغَيْرِهِمَا مِنْ جُلُودِ الْمَيْتَةِ (قَوْلُهُ: بَعْدَ دَبْغِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِرُخِّصَ كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ فِي يَابِسٍ كَذَلِكَ وَكَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُقَدِّمَ قَوْلَهُ بَعْدَ دَبْغِهِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ وَفِي قَوْلِهِ فِي يَابِسٍ بِمَعْنَى الْبَاءِ أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِيَابِسٍ وَمَاءٍ بِخِلَافِهَا فِي قَوْلِهِ فِيهِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَلْزَمُ تَعَلُّقُ حَرْفَيْ جَرٍّ مُتَّحِدَيْ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى بِعَامِلٍ وَاحِدٍ أَوْ أَنَّ فِي يَابِسٍ مُتَعَلِّقٌ بِاسْتِعْمَالِهِ مَحْذُوفًا (قَوْلُهُ: بَعْدَ دَبْغِهِ) ، وَأَمَّا قَبْلَهُ فَلَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِحَالٍ قَالَ ابْنُ هَارُونَ وَهُوَ الْمَذْهَبُ (قَوْلُهُ: بِمَا يُزِيلُ الرِّيحَ وَالرُّطُوبَةَ) ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْمُزِيلُ لَهُمَا نَجِسًا كَمَا فِي عبق (قَوْلُهُ: وَيَحْفَظُهُ مِنْ الِاسْتِحَالَةِ) أَيْ مِنْ التَّلَفِ وَالتَّقْطِيعِ كَمَا تَحْفَظُهُ الْحَيَاةُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الدِّبَاغِ إزَالَةُ الشَّعْرِ عِنْدَنَا، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ إزَالَتُهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ الْقَائِلِينَ: إنَّ الشَّعْرَ نَجِسٌ وَإِنَّ طَهَارَةَ الْجِلْدِ بِالدَّبْغِ لَا تَتَعَدَّى إلَى طَهَارَةِ الشَّعْرِ؛ لِأَنَّهُ تَحُلُّهُ الْحَيَاةُ فَلَا بُدَّ مِنْ زَوَالِهِ، وَأَمَّا عِنْدَنَا فَالشَّعْرُ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْحَيَاةَ لَا تَحُلُّهُ فَالْفَرْوُ إنْ كَانَ مُذَكَّى مَجُوسِيٍّ أَوْ مَصِيدَ كَافِرٍ قَلَّدَ فِي لُبْسِهِ فِي الصَّلَاةِ أَبَا حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ جِلْدَ الْمَيْتَةِ عِنْدَهُ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ، وَالشَّعْرُ عِنْدَهُ طَاهِرٌ وَلَا يُقَلِّدُ فِيهِ الشَّافِعِيَّ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ قَالَ بِطَهَارَةِ الْجِلْدِ يَقُولُ بِنَجَاسَةِ الشَّعْرِ وَلَا مَالِكًا؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ قَالَ بِطَهَارَةِ الشَّعْرِ يَقُولُ بِنَجَاسَةِ الْجِلْدِ إلَّا أَنْ يُلَفِّقَ وَيُقَلِّدُ الْمَذْهَبَيْنِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ وَقَعَ الْجِلْدُ فِي مَدْبَغَةٍ) أَيْ وَخَرَجَ مَدْبُوغًا غَيْرَ مُحْتَاجٍ لِآلَةٍ (قَوْلُهُ: وَلَا كَوْنُ الدَّابِغِ مُسْلِمًا) أَيْ وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الدَّابِغِ مُسْلِمًا بَلْ دَبْغُ الْكَافِرِ مُطَهِّرٌ. (قَوْلُهُ: كَالْحُبُوبِ) أَيْ بِأَنْ يُوعَى فِيهَا الْعَدَسُ وَالْفُولُ وَنَحْوُهُمَا مِنْ الْحُبُوبِ وَيُغَرْبَلُ عَلَيْهَا وَلَا يَطْحَنُ عَلَيْهَا بِأَنْ تُجْعَلَ الرَّحَى فَوْقَهَا؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَحَلُّلِ بَعْضِ أَجْزَاءِ الْجِلْدِ فَتَخْتَلِطُ بِالدَّقِيقِ، وَأَمَّا لَوْ جَعَلَ الْجِلْدَ فِي بَيْتِ الدَّقِيقِ فِي الطَّاحُونِ وَيَنْزِلُ الدَّقِيقُ عَلَيْهِ فَلَا يَضُرُّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ) فِي المج أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْمَاءِ لُبْسُهُ فِي الرِّجْلِ الْمَبْلُولَةِ وِفَاقًا لح (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ لُبْسُهَا إلَخْ) أَيْ جُلُودِ الْمَيْتَةِ الْمَدْبُوغَةِ أَيْ كَمَا يَجُوزُ الْجُلُوسُ عَلَيْهَا فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ لَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يُمْنَعُ دُخُولُ النَّجِسِ فِيهِ، وَلَوْ مَعْفُوًّا عَنْهُ وَقَوْلُهُ: فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ أَيْ وَأَمَّا فِي الصَّلَاةِ فَقَدْ عَلِمْت مِنْ مَسْأَلَةِ الْفِرَاءِ عَدَمَ الْجَوَازِ إلَّا إذَا قُلِّدَ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: وَفِيهَا كَرَاهَةُ الْعَاجِ) أَيْ كَرَاهَةُ اسْتِعْمَالِهِ وَقَوْلُهُ: قَالَ فِيهَا أَيْ مُعَلِّلًا لِلْكَرَاهَةِ، وَقَوْلُهُ: وَهَذَا أَيْ التَّعْلِيلُ وَقَوْلُهُ: فَيَكُونُ أَيْ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَفِيهَا كَرَاهَةُ الْعَاجِ (قَوْلُهُ: مِنْ نَجَاسَتِهِ) أَيْ الْعَاجِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ الْكَرَاهَةُ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ) أَيْ وَالْفَرْضُ أَنَّ الْفِيلَ غَيْرُ مُذَكًّى وَقَوْلُهُ: فَيَكُونُ أَيْ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَفِيهَا إلَخْ اسْتِشْكَالًا أَيْ لِمَا سَبَقَ؛ لِأَنَّ عَادَةَ الْمُصَنِّفِ يَأْتِي بِكَلَامِهَا إمَّا اسْتِشْكَالًا أَوْ اسْتِشْهَادًا، وَأَمَّا إتْيَانُهُ بِهِ لِإِفَادَةِ حُكْمٍ آخَرَ فَهُوَ قَلِيلٌ وَحَمْلُ الْكَرَاهَةِ فِيهَا عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ أَحْسَنُ خُصُوصًا، وَقَدْ نَقَلَ حَمْلَهَا عَلَى ذَلِكَ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ يُونُسَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَسَبَبُ هَذِهِ الْكَرَاهَةِ أَنَّ الْعَاجَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ مَيْتَةٍ لَكِنْ أُلْحِقَ بِالْجَوَاهِرِ فِي التَّزَيُّنِ فَأُعْطِيَ حُكْمًا وَسَطًا وَهُوَ كَرَاهَةُ التَّنْزِيهِ وَمُرَاعَاةً لِمَا قَالَهُ ابْنُ شِهَابٍ وَرَبِيعَةُ وَعُرْوَةُ مِنْ جَوَازِ الِامْتِشَاطِ بِهِ إذَا عَلِمْت ذَلِكَ تَعْلَمُ أَنَّ الْعَجِينَ لَا يَتَنَجَّسُ بِهِ (قَوْلُهُ: فَلَا وَجْهَ لِكَرَاهَتِهِ) أَيْ لِكَرَاهَةِ اسْتِعْمَالِهِ بَلْ اسْتِعْمَالُهُ جَائِزٌ اتِّفَاقًا فَالْخِلَافُ بِالْحُرْمَةِ وَالْكَرَاهَةِ إنَّمَا هُوَ فِي الْعَاجِ الْمُتَّخَذِ

الصفحة 55