كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 1)

(وَ) فِيهَا (التَّوَقُّفُ) لِلْإِمَامِ (فِي) الْجَوَابِ عَنْ حُكْمِ (الْكِيمَخْتِ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَهُوَ جِلْدُ الْحِمَارِ أَوْ الْفَرَسِ أَوْ الْبَغْلِ الْمَيِّتِ، وَوَجْهُ التَّوَقُّفِ أَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي نَجَاسَتَهُ لَا سِيَّمَا مِنْ جِلْدِ حِمَارٍ مَيِّتٍ وَعَمَلُ السَّلَفِ مِنْ صَلَاتِهِمْ بِسُيُوفِهِمْ وَجَفِيرِهَا مِنْهُ يَقْتَضِي طَهَارَتَهُ وَالْمُعْتَمَدُ كَمَا قَالُوا أَنَّهُ طَاهِرٌ لِلْعَمَلِ لَا نَجِسٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ فَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِمْ جِلْدُ الْمَيْتَةِ نَجِسٌ وَلَوْ دُبِغَ وَانْظُرْ مَا عِلَّةُ طَهَارَتِهِ فَإِنْ قَالُوا: الدَّبْغُ قُلْنَا يَلْزَمُ طَهَارَةُ كُلِّ مَدْبُوغٍ وَإِنْ قَالُوا الضَّرُورَةُ قُلْنَا: إنْ سَلِمَ فَهِيَ لَا تَقْتَضِي الطَّهَارَةَ بَلْ الْعَفْوَ، وَحَمْلُ الطَّهَارَةِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ عَلَى اللُّغَوِيَّةِ فِي غَيْرِ الْكِيمَخْتِ وَعَلَى الْحَقِيقَةِ فِي الْكِيمَخْتِ تَحَكُّمٌ وَعَمَلُ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِمْ الرِّضَا فِي جُزْئِيٍّ يُحَقِّقُ الْعَمَلَ فِي الْبَاقِي

(وَ) مِنْ النَّجِسِ (مَنِيٌّ وَمَذْيٌ وَوَدْيٌ) وَلَوْ مِنْ مُبَاحِ الْأَكْلِ فِي الثَّلَاثَةِ لِلِاسْتِقْذَارِ وَالِاسْتِحَالَةِ إلَى فَسَادٍ وَلِأَنَّ أَصْلَهَا دَمٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْعَفْوِ عَنْ أَصْلِهَا الْعَفْوُ عَنْهَا وَالثَّلَاثَةُ بِوَزْنِ ظَبْيٍ وَصَبِيٍّ (وَقَيْحٌ) بِفَتْحِ الْقَافِ مِدَّةٌ لَا يُخَالِطُهَا دَمٌ (وَصَدِيدٌ) وَهُوَ مَاءُ الْجُرْحِ الرَّقِيقِ الْمُخْتَلِطِ بِدَمٍ قَبْلَ أَنْ تُغَلَّظَ الْمُدَّةُ، وَقِيلَ بَلْ وَلَوْ غَلُظَتْ وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي النَّجَاسَةِ مَا يَسِيلُ مِنْ مَوْضِعِ حَكِّ الْبَثَرَاتِ وَمَا يُرَشَّحُ مِنْ الْجِلْدِ إذَا كُشِطَ وَمَا يَسِيلُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ فِيلٍ مَيِّتٍ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ (قَوْلُهُ: وَفِيهَا التَّوَقُّفُ) أَيْ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى التَّوَقُّفِ فِي الْجَوَابِ عَنْ حُكْمِ الْكِيمَخْتِ هَلْ هُوَ الطَّهَارَةُ أَوْ النَّجَاسَةُ كَقَوْلِهَا لَا أَدْرِي وَاخْتُلِفَ هَلْ تَوَقُّفُ الْإِمَامِ يُعَدُّ قَوْلًا أَوْ لَا وَالرَّاجِحُ الثَّانِي وَقِيلَ بِنَجَاسَتِهِ مَعَ الْعَفْوِ عَنْهُ وَقِيلَ بِطَهَارَتِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِمْ جِلْدُ الْمَيْتَةِ لَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ فِي اسْتِعْمَالِ الْكِيمَخْتِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: الْجَوَازُ مُطْلَقًا فِي السُّيُوفِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ لِمَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَجَوَازُ اسْتِعْمَالِهِ فِي السُّيُوفِ فَقَطْ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ حَبِيبٍ قَالَ فَمَنْ صَلَّى بِهِ فِي غَيْرِ السُّيُوفِ يَسِيرًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا أَعَادَ أَبَدًا كَذَا فِي التَّوْضِيحِ وَكَرَاهَةُ اسْتِعْمَالِهِ مُطْلَقًا قِيلَ هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ الْإِمَامُ لِقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنَّ تَرْكَهُ أَحَبُّ إلَيَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَيَحْتَمِلُ أَنَّ مَنْ صَلَّى بِهِ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَا يُعِيدُ، وَأَمَّا تَوَقُّفُ الْإِمَامِ فَهُوَ فِي حُكْمِهِ مِنْ جِهَةِ طَهَارَتِهِ وَنَجَاسَتِهِ فَالتَّوَقُّفُ يُجَامِعُ الْجَوَازَ وَالْكَرَاهَةَ؛ لِأَنَّهُمَا فِي اسْتِعْمَالِهِ وَالتَّوَقُّفُ فِي الطَّهَارَةِ وَالنَّجَاسَةِ لَا يُنَافِي جَوَازَ اسْتِعْمَالِهِ أَوْ كَرَاهَتِهِ وَلَكِنْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْحَقَّ أَنَّهُ طَاهِرٌ وَأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ جَائِزٌ مُطْلَقًا أَوْ فِي السُّيُوفِ لَا مَكْرُوهٌ (قَوْلُهُ: أَوْ الْبَغْلِ الْمَيِّتِ) أَيْ الْمَدْبُوغِ (قَوْلُهُ: وَوَجْهُ التَّوَقُّفِ) أَيْ تَوَقُّفِ الْإِمَامِ فِي طَهَارَتِهِ وَنَجَاسَتِهِ وَلَمْ يَجْزِمْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا (قَوْلُهُ: جِلْدِ حِمَارٍ مَيِّتٍ) أَمَّا الْمُذَكَّى فَقَدْ وُجِدَ قَوْلٌ فِي الْمَذْهَبِ بِطَهَارَتِهِ (قَوْلُهُ: إنَّهُ طَاهِرٌ) أَيْ فَلَا يُعِيدُ مَنْ صَلَّى بِهِ
(قَوْلُهُ: لِلْعَمَلِ) أَيْ لِعَمَلِ السَّلَفِ أَيْ بِدَلِيلِ عَمَلِهِمْ (قَوْلُهُ: لَا نَجِسَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ) أَيْ كَمَا قِيلَ (قَوْلُهُ: يَلْزَمُ) أَيْ لِأَنَّ الْعِلَّةَ يَجِبُ اطِّرَادُهَا مَتَى وُجِدَتْ وُجِدَ الْحُكْمُ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ جِلْدَ الْمَيْتَةِ الْمَدْبُوغَ غَيْرَ الْكِيمَخْتِ غَيْرُ طَاهِرٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ (قَوْلُهُ: وَحَمْلُ إلَخْ) هَذَا اعْتِرَاضٌ عَلَى الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ حَيْثُ قَالُوا بِطَهَارَةِ الْكِيمَخْتِ طَهَارَةً حَقِيقِيَّةً لِلْعَمَلِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ جُلُودِ الْمَيْتَةِ الْمَدْبُوغَةِ فَهُوَ طَاهِرٌ طَهَارَةً لُغَوِيَّةً.
وَحَاصِلُ الِاعْتِرَاضِ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ حَمْلُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» عَلَى الطَّهَارَةِ الْحَقِيقِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْكَيْمَخْتِ وَعَلَى اللُّغَوِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهِ وَهَذَا تَحَكُّمٌ وَعَمَلُ السَّلَفِ فِي جُزْئِيٍّ مِنْ جُزْئِيَّاتِ جِلْدِ الْمَيْتَةِ الْمَدْبُوغِ يُحَقِّقُ الْعَمَلَ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْجُزْئِيَّاتِ فَمُقْتَضَاهُ الْحُكْمُ بِطَهَارَةِ غَيْرِ الْكِيمَخْتِ بِالدِّبَاغِ طَهَارَةً حَقِيقِيَّةً تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: يُحَقِّقُ الْعَمَلَ) أَيْ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ. . .

(قَوْلُهُ: وَلَوْ مِنْ مُبَاحٍ) أَيْ هَذَا إذَا كَانَتْ مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ مِنْ مُحَرَّمِ الْأَكْلِ بَلْ وَلَوْ كَانَتْ مِنْ مُبَاحٍ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ مِنْ الْآدَمِيِّ وَمُحَرَّمِ الْأَكْلِ نَجِسَةٌ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَأَمَّا مِنْ الْمُبَاحِ فَقِيلَ بِنَجَاسَتِهَا وَقِيلَ بِطَهَارَتِهَا (قَوْلُهُ: لِلِاسْتِقْذَارِ) أَيْ إنَّمَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ نَجِسًا، وَلَوْ مِنْ مُبَاحٍ لِاسْتِقْذَارِهِ وَهَذِهِ الْعِلَّةُ تَقْتَضِي النَّجَاسَةَ مَا لَمْ يُعَارِضْهَا مُعَارِضٌ كَمَشَقَّةِ التَّكْرَارِ فِي نَحْوِ الْمُخَاطِ وَالْبُصَاقِ (قَوْلُهُ: وَالِاسْتِحَالَةُ) أَيْ اسْتِحَالَةُ أَصْلِهَا وَهُوَ الدَّمُ إلَى فَسَادٍ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ أَصْلَهَا دَمٌ إلَخْ) رُدَّ هَذَا التَّعْلِيلُ بِأَنَّ الْفَضَلَاتِ فِي بَطْنِ الْحَيَوَانَاتِ لَا يُحْكَمُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ أَيْ لَا بِطَهَارَةٍ وَلَا بِنَجَاسَةٍ وَحِينَئِذٍ فَأَصْلُهَا وَهُوَ الدَّمُ الَّذِي فِي الْحَيَوَانِ لَيْسَ نَجِسًا
(قَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْعَفْوِ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ مُقْتَضَى كَوْنِ الدَّمِ أَصْلًا لَهَا أَنْ يُعْفَى عَنْ دُونِ الدِّرْهَمِ مِنْهَا كَمَا عُفِيَ عَنْهُ فِي الدَّمِ.
وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْعَفْوِ عَنْ الْيَسِيرِ مِنْ الدَّمِ الْعَفْوُ عَنْ الْيَسِيرِ مِنْهَا إذْ لَيْسَ كُلُّ مَا ثَبَتَ لِأَصْلٍ يَثْبُتُ لِفَرْعِهِ (قَوْلُهُ: مِنْ الْعَفْوِ عَنْ أَصْلِهَا) أَيْ عَنْ الْيَسِيرِ مِنْ أَصْلِهَا (قَوْلُهُ: الْعَفْوُ عَنْهَا) أَيْ عَنْ الْيَسِيرِ مِنْهَا (قَوْلُهُ: قَبْلَ أَنْ تَغْلُظَ الْمِدَّةُ) أَيْ فَإِذَا غَلُظَتْ فَلَا اسْمَ لَهَا إلَّا مِدَّةً وَهِيَ نَجِسَةٌ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى (قَوْلُهُ: الْبَثَرَاتِ) أَيْ الْبَقَابِيقِ

الصفحة 56