كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 1)

بِحَيْثُ مَتَى اقْتَصَرْت عَلَى قَوْلٍ كَانَ هُوَ الرَّاجِحَ الَّذِي تَجِبُ بِهِ الْفَتْوَى وَإِنْ اعْتَمَدَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ خِلَافَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى أَسْتَعِينُ وَعَلَيْهِ أَتَوَكَّلُ فَإِنَّهُ الْمَوْلَى الْكَرِيمُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَعَنَّا بِهِ وَجَمَعَنَا مَعَهُ فِي دَارِ السَّلَامِ بِسَلَامٍ مَعَ مَزِيدِ الْإِنْعَامِ وَالْإِكْرَامِ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) أَيْ أُؤَلِّفُ لِأَنَّ الْأَوْلَى تَقْدِيرُ الْمُتَعَلِّقِ مِنْ مَادَّةِ مَا جُعِلَتْ الْبَسْمَلَةُ مَبْدَأً لَهُ وَالِابْتِدَاءُ بِهَا مَنْدُوبٌ كَالْحَمْدَلَةِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ الِابْتِدَاءُ قِسْمَانِ حَقِيقِيٌّ وَهُوَ مَا لَمْ يُسْبَقْ بِشَيْءٍ وَإِضَافِيٌّ وَهُوَ مَا يُقَدَّمُ عَلَى الشُّرُوعِ فِي الْمَقْصُودِ بِالذَّاتِ أَوْ أَنَّهُ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ أَمَامَ الْمَقْصُودِ وَإِنْ كَانَ ذَا أَجْزَاءٍ (يَقُولُ) أَصْلُهُ يَقُولُ كَيَنْصُرُ فَخُفِّفَ بِنَقْلِ الضَّمَّةِ الثَّقِيلَةِ عَلَى الْوَاوِ إلَى السَّاكِنِ قَبْلَهَا (الْفَقِيرُ) فَعِيلٌ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ أَوْ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْمُشَبَّهِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ التَّصْرِيحِيَّةِ التَّبَعِيَّةِ، وَالْفَتْحُ تَرْشِيحٌ مُسْتَعَارٌ لِلْبَيَانِ فَشَبَّهَ الْبَيَانَ بِالْفَتْحِ وَاسْتُعِيرَ اسْمُ الْمُشَبَّهِ بِهِ لِلْمُشَبَّهِ (قَوْلُهُ: بِحَيْثُ مَتَى اقْتَصَرْت) أَيْ حَالَةُ كَوْنِ ذَلِكَ الِاخْتِصَارِ مُلْتَبِسًا بِحَالَةٍ هِيَ أَنِّي مَتَى اقْتَصَرْت إلَخْ، وَمَتَى هُنَا شَرْطِيَّةٌ وَهِيَ فِي الْأَصْلِ ظَرْفُ زَمَانٍ، وَقَدْ يُتَوَسَّعُ فِيهَا فَتُسْتَعْمَلُ لِلْمَكَانِ، وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا الْمَكَانُ أَيْ مَحَلُّ الرَّقْمِ أَيْ بِحَيْثُ إنِّي فِي أَيِّ مَكَان اقْتَصَرْتُ فِيهِ عَلَى قَوْلٍ كَانَ هُوَ الرَّاجِحَ (قَوْلُهُ: وَبِاَللَّهِ تَعَالَى أَسْتَعِينُ) أَيْ وَأَسْتَعِينُ بِاَللَّهِ عَلَى تَأْلِيفِ هَذَا الشَّرْحِ أَيْ أَطْلُبُ مِنْهُ الْإِعَانَةَ عَلَى تَأْلِيفِهِ أَيْ أَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يَخْلُقَ فِي قُدْرَةً عَلَى ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ أَتَوَكَّلُ) أَيْ أُفَوِّضُ أُمُورِي كُلَّهَا إلَيْهِ وَقَوْلُهُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ أَيْ الِاعْتِمَادُ (قَوْلُهُ: وَعَنَّا بِهِ) أَيْ وَرَضِيَ عَنَّا بِسَبَبِهِ (قَوْلُهُ: فِي دَارِ السَّلَامِ) أَيْ دَارِ السَّلَامَةِ مِنْ الْآفَاتِ وَالْكَدُورَاتِ وَهِيَ الْجَنَّةُ مُطْلَقًا وَقَوْلُهُ بِسَلَامٍ أَيْ حَالَةَ كَوْنِنَا مُلْتَبِسِينَ بِالسَّلَامَةِ مِنْ أَهْوَالِ الْآخِرَةِ وَشَدَائِدِهَا مُصَاحِبِينَ لِمَزِيدِ الْإِنْعَامِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَوْلَى إلَخْ) عِلَّةٌ لِتَقْدِيرِ الْمُتَعَلِّقِ خَاصًّا لَا عَامًّا كَأَبْتَدِئُ مَثَلًا، وَقَدَّرَ فِعْلًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعَمَلِ لِلْأَفْعَالِ وَمُؤَخَّرًا لِإِفَادَةِ الْحَصْرِ وَالِاهْتِمَامِ
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَوْلَى إلَخْ) إنَّمَا كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ جَعْلَ الْمُتَعَلِّقِ مِنْ الْمَادَّةِ الْمَذْكُورَةِ أَلْيَقُ بِالْمَقَامِ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَارِعٍ فِي شَيْءٍ يُضْمِرُ مَا جُعِلَتْ التَّسْمِيَةُ مَبْدَأً لَهُ وَأَوْفَى بِتَأْدِيَةِ الْمَرَامِ أَيْ الْمَطْلُوبِ لِدَلَالَةِ ذَلِكَ الْمُقَدَّرِ حِينَئِذٍ عَلَى تَلَبُّسِ الْفِعْلِ كُلِّهِ بِالْبَسْمَلَةِ عَلَى وَجْهِ التَّبَرُّكِ وَالِاسْتِعَانَةِ.
(قَوْلُهُ: مِنْ مَادَّةِ مَا جُعِلَتْ إلَخْ) أَيْ مِنْ مَادَّةِ تَأْلِيفٍ أَوْ أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ وَقَوْلُهُ مَبْدَأً لَهُ أَيْ ابْتِدَاءً وَأَوَّلًا لَهُ (قَوْلُهُ: وَالِابْتِدَاءُ بِهَا) أَيْ فِي الْأُمُورِ ذَوَاتِ الْبَالِ وَلَوْ شِعْرًا (قَوْلُهُ: مَنْدُوبٌ) ، وَقَدْ تَعْرِضُ الْكَرَاهَةُ لِلِابْتِدَاءِ بِهَا كَابْتِدَاءِ الْمَكْرُوهَاتِ، وَقَدْ يَحْرُمُ كَابْتِدَاءِ الْمُحَرَّمَاتِ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَقِيلَ بِالْكَرَاهَةِ وَلَا يَكُونُ الِابْتِدَاءُ بِهَا وَاجِبًا إلَّا بِالنَّذْرِ وَلَا يَكُونُ مُبَاحًا، وَقَدْ عَلِمْت حَاصِلَ مَا فِي الْمَقَامِ (قَوْلُهُ: إذْ الِابْتِدَاءُ قِسْمَانِ إلَخْ) هَذَا جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ فُهِمَ مِنْ الْكَلَامِ تَقْدِيرُهُ إذَا كَانَ الِابْتِدَاءُ بِكُلٍّ مِنْ الْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ وَالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْدُوبًا فَكَيْفَ يَتَأَتَّى الِابْتِدَاءُ بِالثَّلَاثَةِ فِي آنٍ وَاحِدٍ مَعَ أَنَّ الِابْتِدَاءَ بِوَاحِدٍ يُفَوِّتُ الِابْتِدَاءَ بِغَيْرِهِ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يَتَأَتَّى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِابْتِدَاءَ قِسْمَانِ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا لَمْ يُسْبَقْ بِشَيْءٍ) أَيْ وَهُوَ ابْتِدَاءٌ لَمْ يُسْبَقْ مُتَعَلَّقُهُ بِشَيْءٍ (قَوْلُهُ: بِالذَّاتِ) أَيْ فَيُجْعَلُ الِابْتِدَاءَ بِالْبَسْمَلَةِ حَقِيقِيًّا لِقُوَّةِ حَدِيثِهَا، وَيُجْعَلُ الِابْتِدَاءُ بِغَيْرِهَا كَالْحَمْدَلَةِ وَالصَّلَاةِ إضَافِيًّا
(قَوْلُهُ: أَوْ أَنَّهُ) أَيْ الِابْتِدَاءَ شَيْءٌ وَاحِدٌ أَيْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِابْتِدَاءِ بِكُلٍّ مِنْ الْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ وَالصَّلَاةِ الِابْتِدَاءُ الْعُرْفِيُّ الَّذِي يُعْتَبَرُ مُمْتَدًّا لِلشُّرُوعِ فِي الْمَقْصُودِ فَيَكُونُ شَامِلًا لِلْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ وَغَيْرِهِمَا وَلَا يَكُونُ الِابْتِدَاءُ بِوَاحِدٍ مُفَوِّتًا لِلِابْتِدَاءِ بِغَيْرِهِ حِينَئِذٍ (قَوْلُهُ: بِنَقْلِ الضَّمَّةِ الثَّقِيلَةِ عَلَى الْوَاوِ) وَإِنَّمَا ثُقِّلَتْ تِلْكَ الضَّمَّةُ عَلَى الْوَاوِ هُنَا

الصفحة 6