كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 1)

مِنْ الْفَقْرِ أَيْ الْحَاجَةِ أَيْ الدَّائِمِ الْحَاجَةِ أَوْ الْمُحْتَاجِ كَثِيرًا وَفِي نُسْخَةٍ الْعَبْدُ الْفَقِيرُ وَالْمُرَادُ بِالْعَبْدِ الْمَمْلُوكُ لِلَّهِ تَعَالَى لِكَوْنِهِ أَوْجَدَهُ مِنْ الْعَدَمِ (الْمُضْطَرُّ) اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ الِاضْطِرَارِ أَيْ شِدَّةُ الِاحْتِيَاجِ فَهُوَ أَخَصُّ مِنْ الْفَقِيرِ وَهَذَا اللَّفْظُ مِمَّا يَتَّحِدُ فِيهِ اسْمُ الْفَاعِلِ وَاسْمُ الْمَفْعُولِ لِزَوَالِ الْحَرَكَةِ الْفَارِقَةِ بَيْنَهُمَا بِالْإِدْغَامِ، وَأَصْلُهُ مُضْتَرَرٌ كَمُخْتَصَرٍ فَأُبْدِلَتْ التَّاءُ طَاءً لِوُقُوعِهَا بَعْدَ الضَّادِ وَأُدْغِمَتْ الرَّاءُ فِي الرَّاءِ (لِرَحْمَةِ رَبِّهِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQلِكَوْنِهَا لَازِمَةً إذْ هِيَ حَرَكَةٌ بِنِيَّةٍ بِخِلَافِ هَذَا دَلْوٌ فَإِنَّ الضَّمَّةَ فِيهِ لَمْ تُسْتَثْقَلْ عَلَى الْوَاوِ؛ لِأَنَّهَا حَرَكَةُ إعْرَابٍ عَارِضَةٌ بِعُرُوضِ عَامِلِ الرَّفْعِ وَتَزُولُ عِنْدَ عَدَمِهِ وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا يُقَالُ: إنَّ الضَّمَّةَ إنَّمَا تُسْتَثْقَلُ عَلَى الْوَاوِ إذَا تَحَرَّكَ مَا قَبْلَهَا لَا إذَا سُكِّنَ وَلِذَا أُعْرِبَ دَلْوٌ بِالْحَرَكَاتِ وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّهَا إنَّمَا ظَهَرَتْ الضَّمَّةُ عَلَى الْوَاوِ فِي الِاسْمِ لِخِفَّتِهِ، وَأَمَّا الْفِعْلُ فَهُوَ ثَقِيلٌ، وَالثَّقِيلُ لَا يَحْتَمِلُ مَا فِيهِ ثِقَلٌ فَلِذَلِكَ نُقِلَتْ الضَّمَّةُ لِأَجْلِ الثِّقَلِ وَإِنَّمَا كَانَ الْفِعْلُ ثَقِيلًا لِتَرَكُّبِ مَدْلُولِهِ مِنْ الْحَدَثِ وَالزَّمَانِ وَالنِّسْبَةِ
(قَوْلُهُ: مِنْ الْفَقْرِ) أَيْ مَأْخُوذٌ مِنْ الْفَقْرِ وَقَوْلُهُ أَيْ الْحَاجَةِ هِيَ بِمَعْنَى الِاحْتِيَاجِ (قَوْلُهُ: أَيْ الدَّائِمِ الْحَاجَةِ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ وَقَوْلُهُ: أَوْ الْمُحْتَاجُ كَثِيرًا رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ، فَهُوَ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ. وَقَوْلُهُ: كَثِيرًا أَيْ احْتِيَاجًا كَثِيرًا أَوْ زَمَنًا كَثِيرًا قِيلَ: وَالثَّانِي أَوْلَى؛ لِأَنَّ دَائِمَ الِاحْتِيَاجِ صَارَ مُتَمَرِّنًا عَلَى ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ عِنْدَهُ شِدَّةُ تَأَلُّمٍ بِخِلَافِ الثَّانِي (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِالْعَبْدِ الْمَمْلُوكِ لِلَّهِ) يُشِيرُ بِهَذَا إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَبْدِ هُنَا عَبْدُ الْإِيجَادِ لَا عَبْدُ الْعُبُودِيَّةِ إذًا لَا يَصِحُّ إرَادَتُهُ هُنَا لِمُنَافَاتِهِ لِقَوْلِهِ بَعْدُ الْمُنْكَسِرُ خَاطِرُهُ لِقِلَّةِ الْعَمَلِ وَالتَّقْوَى إذْ لَا يَصِحُّ لَهُ بَعْدَ وَصْفِهِ نَفْسَهُ أَوَّلًا بِالْعُبُودِيَّةِ الَّتِي هِيَ مِنْ الصِّفَاتِ الْكَمَالِيَّةِ أَعْنِي غَايَةَ التَّذَلُّلِ وَالْخُضُوعِ أَنْ يَصِفَهَا ثَانِيًا بِقِلَّةِ التَّقْوَى لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ التَّنَافِي وَلَا عَبْدُ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ حُرٌّ لَا رِقٌّ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِاعْتِبَارِ لَازِمِهِ وَهُوَ الذُّلُّ وَالِانْكِسَارُ، وَلَا يَصِحُّ إرَادَةُ عَبْدِ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ الَّذِي دَعَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ تَعِسَ وَانْتَكَسَ وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ» إذْ لَا يُسَوَّغُ لِأَحَدٍ أَنْ يُدْخِلَ نَفْسَهُ فِيمَنْ دَعَا عَلَيْهِمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَوْلُهُ تَعِسَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ أَيْ هَلَكَ وَقَوْلُهُ: وَإِذَا شِيكَ أَيْ أَصَابَتْهُ شَوْكَةٌ فِي جِسْمِهِ وَالِانْتِقَاشُ انْتِزَاعُهَا بِالْمِنْقَاشِ كَمَا فِي شب (قَوْلُهُ: أَيْ شِدَّةِ الِاحْتِيَاجِ) أَيْ وَحِينَئِذٍ فَالْمُضْطَرُّ مَعْنَاهُ شَدِيدُ الِاحْتِيَاجِ الْمَجْهُودِ الَّذِي لَا يَرَى لِنَفْسِهِ شَيْئًا مِنْ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ وَلَا يَرَى لِإِغَاثَتِهِ إلَّا مَوْلَاهُ
(قَوْلُهُ: فَهُوَ أَخَصُّ مِنْ الْفَقِيرِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ صِفَةً مُشَبَّهَةً أَوْ صِيغَةَ مُبَالَغَةٍ لِعَدَمِ أَخْذِ الشِّدَّةِ فِي مَفْهُومِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَقَوْلُهُ: أَخَصُّ مِنْ الْفَقِيرِ أَيْ أَقَلُّ أَفْرَادًا مِنْهُ (قَوْلُهُ: وَهَذَا اللَّفْظُ) أَيْ فِي حَدِّ ذَاتِهِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْوَاقِعِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ فِيهِ اسْمُ مَفْعُولٍ لَا غَيْرُ (قَوْلُهُ: وَأَصْلُهُ) أَيْ بِاعْتِبَارِ مَا وَقَعَ فِي الْمَتْنِ (قَوْلُهُ: لِوُقُوعِهَا بَعْدَ الضَّادِ) أَيْ الَّتِي هِيَ أَحَدُ حُرُوفِ الْإِطْبَاقِ الْأَرْبَعَةِ الصَّادِ وَالضَّادِ وَالطَّاءِ وَالظَّاءِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَاءَ الِافْتِعَالِ مَتَى وَقَعَتْ بَعْدَ حَرْفٍ مِنْ هَذِهِ الْحُرُوفِ الْأَرْبَعَةِ فَإِنَّهَا تُقْلَبُ طَاءً نَحْوُ مُظْطَلِمٍ وَمُطَّلَبٍ وَمُصْطَبَرٍ وَمُضْطَرِبٍ لِتَعَسُّرِ النُّطْقِ بِالتَّاءِ بَعْدَ هَذِهِ الْأَحْرُفِ، وَاخْتِيرَتْ الطَّاءُ لِقُرْبِهَا مَخْرَجًا مِنْ التَّاءِ (قَوْلُهُ: وَأُدْغِمَتْ الرَّاءُ إلَخْ) وَلَا يَجُوزُ إدْغَامُ الضَّادِ فِي الطَّاءِ لِزَوَالِ اسْتِطَالَةِ الضَّادِ بِالْإِدْغَامِ (قَوْلُهُ: لِرَحْمَةِ رَبِّهِ) تَنَازَعَهُ كُلٌّ مِنْ الْفَقِيرِ

الصفحة 7