كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 1)

(وَعُفِيَ عَمَّا يَعْسُرُ) الِاحْتِرَازُ عَنْهُ مِنْ النَّجَاسَاتِ وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ كُلِّيَّةٌ وَلَمَّا كَانَ اسْتِخْرَاجُ الْجُزْئِيَّاتِ مِنْ الْكُلِّيَّاتِ قَدْ يَخْفَى عَلَى بَعْضِ الْأَذْهَانِ ذَكَرَ لَهَا جُزْئِيَّاتٍ لِلْإِيضَاحِ فَقَالَ (كَحَدَثٍ) بَوْلًا أَوْ مَذْيًا أَوْ غَيْرَهُمَا (مُسْتَنْكِحٍ) بِكَسْرِ الْكَافِ أَيْ مُلَازِمٍ كَثِيرًا بِأَنْ يَأْتِيَ كُلَّ يَوْمٍ وَلَوْ مَرَّةً فَيُعْفَى عَمَّا أَصَابَ مِنْهُ وَيُبَاحُ دُخُولُ الْمَسْجِدِ بِهِ مَا لَمْ يَخْشَ تَلَطُّخَهُ فَيُمْنَعَ (وَ) ك (بَلَلِ بَاسُورٍ) بِمُوَحَّدَةٍ حَصَلَ (فِي يَدٍ) فَلَا يَلْزَمُ غَسْلُهَا مِنْهُ (إنْ كَثُرَ الرَّدُّ) بِهَا بِأَنْ يَزِيدَ عَلَى الْمَرَّةِ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَيَظْهَرُ أَنْ يَكُونَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ إذْ لَا مَشَقَّةَ فِي غَسْلِ الْيَدِ إلَّا بِالْكَثْرَةِ وَمِثْلُ الْيَدِ الثَّوْبُ الَّذِي يَرُدُّ بِهِ أَيْ الْخِرْقَةُ (أَوْ) فِي (ثَوْبٍ) أَوْ بَدَنٍ وَإِنْ لَمْ يَكْثُرْ الرَّدُّ بِأَنْ يَأْتِيَ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّةً فَأَكْثَرَ (وَ) ك (ثَوْبِ مُرْضِعَةٍ) أَوْ جَسَدِهَا أُمًّا أَوْ غَيْرَهَا إنْ احْتَاجَتْ أَوْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهَا أَوْ لَمْ يَقْبَلْ الْوَلَدُ سِوَاهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ بِأَسْفَلِهِ

(قَوْلُهُ: وَعُفِيَ عَمَّا يَعْسُرُ) أَيْ عَمَّا يَشُقُّ الِانْفِكَاكُ مِنْهُ وَالتَّبَاعُدُ عَنْهُ (قَوْلُهُ: كَحَدَثٍ إلَخْ) الْمُرَادُ بِالْحَدَثِ الْجِنْسُ فَيَشْمَلُ سَائِرَهَا وَلَمْ يَقُلْ كَأَحْدَاثِ مُسْتَنْكَحَةٍ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْعَفْوَ مَقْصُورٌ عَلَى حُصُولِ جَمْعٍ مِنْ الْأَحْدَاثِ (قَوْلُهُ: أَوْ غَيْرَهُمَا) أَيْ كَغَائِطٍ وَمَنِيٍّ وَفِي الذَّخِيرَةِ فَرْعٌ إذَا عُفِيَ عَنْ الْأَحْدَاثِ فِي حَقِّ صَاحِبِهَا عُفِيَ عَنْهَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ لِسُقُوطِ اعْتِبَارِهَا شَرْعًا وَقِيلَ لَا يُعْفَى عَنْهَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْعَفْوِ الضَّرُورَةُ وَلَمْ تُوجَدْ فِي حَقِّ الْغَيْرِ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي جَوَازِ صَلَاةِ صَاحِبِهَا إمَامًا بِغَيْرِهِ وَعَدَمِ الْجَوَازِ فَعَلَى الْأَوَّلِ تَجُوزُ وَتُكْرَهُ عَلَى الثَّانِي، وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ بِالْبُطْلَانِ عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّ صَاحِبَ السَّلَسِ صَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ لِلْعَفْوِ عَنْ النَّجَاسَةِ فِي حَقِّهِ وَصَحَّتْ صَلَاةُ مَنْ ائْتَمَّ بِهِ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ مُرْتَبِطَةٌ بِصَلَاتِهِ وَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ فَالْمُرْتَبِطَةُ بِهَا كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: أَيْ مُلَازِمٌ كَثِيرًا) تَفْسِيرٌ بِاللَّازِمِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَنْكِحَ مَعْنَاهُ الْقَاهِرُ لِلشَّخْصِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَكُونُ قَاهِرًا لِلشَّخْصِ إلَّا إذَا لَازَمَهُ كَثِيرًا (قَوْلُهُ: فَيُعْفَى عَمَّا أَصَابَ مِنْهُ) أَيْ وَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ وَلَا يُسَنُّ وَقَوْلُهُ فَيُعْفَى عَمَّا أَصَابَ مِنْهُ أَيْ الثَّوْبِ أَوْ الْبَدَنِ.
وَأَمَّا الْمَكَانُ فَقَالَ ح لَمْ يَذْكُرُوهُ وَالظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ: إنْ أَصَابَهُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا عَفْوَ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَتَحَوَّلَ مِنْهُ إلَى مَكَان طَاهِرٍ وَإِنْ أَصَابَهُ وَهُوَ فِي صَلَاتِهِ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ مَا هُوَ مُلَابِسٌ لَهُ وَيَعْسُرُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ اهـ بْن وَقَوْلُهُ فَيُعْفَى عَمَّا أَصَابَ مِنْهُ أَيْ وَأَمَّا كَوْنُهُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ أَوْ لَا فَشَيْءٌ آخَرُ لَهُ مَحَلٌّ يَخُصُّهُ يَأْتِي فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ لَازَمَ كُلَّ الزَّمَنِ أَوْ جُلَّهُ أَوْ نِصْفَهُ فَلَا يَنْقُضُ وَإِنْ لَازَمَ أَقَلَّ الزَّمَنِ نَقَضَ مَعَ الْعَفْوِ عَمَّا أَصَابَ مِنْهُ وَإِنَّمَا عُفِيَ عَمَّا أَصَابَ مِنْ الْحَدَثِ اللَّازِمِ مُطْلَقًا وَفَصَّلَ فِي نَقْضِهِ الْوُضُوءَ؛ لِأَنَّ مَا هُنَا مِنْ بَابِ الْأَخْبَاثِ وَذَاكَ مِنْ بَابِ الْأَحْدَاثِ وَالْأَخْبَاثُ أَسْهَلُ مِنْ الْأَحْدَاثِ.
(قَوْلُهُ: بَاسُورٍ) جَمْعُهُ بَوَاسِيرُ وَالْمُرَادُ الْبَاسُورُ النَّابِتُ فِي دَاخِلِ مَخْرَجِ الْغَائِطِ بِحَيْثُ يَخْرُجُ مِنْهُ وَعَلَيْهِ بُلُولَةٌ وَنَجَاسَةٌ فَيَرُدُّهُ بِيَدِهِ أَوْ غَيْرِهَا كَخِرْقَةٍ إلَى مَحَلِّهِ فَتَتَلَوَّثُ يَدُهُ مِنْ الْبُلُولَةِ الَّتِي عَلَيْهِ أَوْ مِنْ النَّجَاسَةِ الْخَارِجَةِ مَعَهُ فَيُعْفَى عَمَّا أَصَابَ الْيَدَ أَوْ الْخِرْقَةَ مِنْ ذَلِكَ الْخَارِجِ إنْ كَثُرَ الرَّدُّ فَلَا مَفْهُومَ لِلْبَلَلِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَلَا لِلْيَدِ (قَوْلُهُ: إنْ كَثُرَ الرَّدُّ) أَيْ سَوَاءٌ اُضْطُرَّ لِرَدِّهِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ اضْطِرَارُهُ لِرَدِّهِ كَمَا فِي ح وَفِي عبق الظَّاهِرُ أَنَّ خُرُوجَ الصَّرْمِ كَالْبَاسُورِ فَيُعْفَى عَمَّا أَصَابَ الْيَدَ مِنْ النَّجَاسَةِ الْخَارِجَةِ مَعَهُ إنْ كَثُرَ الرَّدُّ قِيَاسًا لِلصَّرْمِ عَلَى الْبَاسُورِ بَلْ قَرَّرَ شَيْخُنَا أَنَّ مِثْلَ الْبَاسُورِ أَثَرُ الدُّمَّلِ وَنَحْوِهِ (قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ) أَيْ ذَلِكَ الزَّائِدُ عَلَى الْمَرَّةِ (قَوْلُهُ: وَمِثْلُ الْيَدِ) أَيْ فِي اعْتِبَارِ كَثْرَةِ الرَّدِّ فِي الْعَفْوِ عَمَّا أَصَابَهَا الْخِرْقَةُ الْمُتَّخَذَةُ لِلرَّدِّ بِهَا كَالْمِنْدِيلِ فَلَا يُعْفَى عَمَّا أَصَابَهَا إذَا رَدَّ بِهَا إلَّا إذَا كَثُرَ الرَّدُّ (قَوْلُهُ: أَوْ فِي ثَوْبٍ) أَيْ أَوْ حَصَلَ بَلَلُ الْبَاسُورِ فِي ثَوْبٍ أَوْ بَدَنٍ، فَإِنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَكْثُرْ الرَّدُّ) أَيْ بِالثَّوْبِ أَوْ الْبَدَنِ وَذَلِكَ لِمَشَقَّةِ غَسْلِهِمَا بِخِلَافِ غَسْلِ الْيَدِ، فَإِنَّهُ لَا مَشَقَّةَ فِيهِ إلَّا بِالْكَثْرَةِ (قَوْلُهُ: وَكَثَوْبِ مُرْضِعَةٍ أَوْ جَسَدِهَا) أَيْ لَا مَكَانَهَا فَلَا يُعْفَى عَمَّا أَصَابَهُ إنْ أَمْكَنَهَا التَّحَوُّلُ عَنْهُ (قَوْلُهُ: إنْ احْتَاجَتْ) أَيْ غَيْرُ الْأُمِّ لِلرَّضَاعِ لِفَقْرِهَا وَهَذَا قَيْدٌ لِلْعَفْوِ عَنْ ثَوْبِ الْمُرْضِعَةِ إذَا كَانَتْ غَيْرَ أُمٍّ فَلَا يُعْفَى عَمَّا.

الصفحة 71