كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 1)

(بِنَجَسٍ) أَيْ عَلَيْهِ (يَبَسٍ) بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا وَقَوْلُهُ: (يَطْهُرَانِ) طَهَارَةً لُغَوِيَّةً (بِمَا) يَمُرَّانِ عَلَيْهِ (بَعْدَهُ) مِنْ مَوْضِعٍ طَاهِرٍ يَابِسٍ أَرْضًا أَوْ غَيْرَهُ، اسْتِئْنَافٌ لَا مَحَلَّ لَهُ مِنْ الْإِعْرَابِ كَالتَّعْلِيلِ لِمَا قَبْلَهُ وَلَوْ حَذَفَهُ مَا ضَرَّ

(وَ) عُفِيَ عَنْ مُصِيبِ (خُفٍّ وَنَعْلٍ مِنْ رَوْثِ دَوَابَّ) حِمَارٍ وَفَرَسٍ وَبَغْلٍ (وَبَوْلِهَا) بِمَوْضِعٍ يَطْرُقُهُ الدَّوَابُّ كَثِيرًا (إنْ دُلِكَا) بِتُرَابٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ نَحْوِهِ حَتَّى زَالَتْ الْعَيْنُ وَكَذَا إنْ جَفَّتْ بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ يُخْرِجُهُ الْغَسْلُ سِوَى الْحُكْمِ (لَا) مِنْ (غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ مَا ذُكِرَ مِنْ رَوْثٍ وَبَوْلٍ كَالدَّمِ وَكَفَضْلَةِ آدَمِيٍّ أَوْ كَلْبٍ وَنَحْوِهَا فَلَا عَفْوَ، وَإِذَا كَانَ لَا عَفْوَ وَقَدْ كَانَ فَرْضُهُ الْمَسْحَ عَلَى خُفِّهِ (فَيَخْلَعُهُ الْمَاسِحُ) أَيْ مَنْ حُكْمُهُ الْمَسْحُ الَّذِي أَصَابَ خُفَّهُ مَا لَمْ يُعْفَ عَنْهُ حَيْثُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَفْوِ إذَا كَانَ الرَّفْعُ بِالْحَضْرَةِ (قَوْلُهُ: بِنَجَسٍ يَبَسٍ) إنْ قُلْتَ: إذَا كَانَ الذَّيْلُ يَابِسًا وَالنَّجَسُ كَذَلِكَ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِالذَّيْلِ شَيْءٌ فَلَا مَحَلَّ لِلْعَفْوِ قُلْتُ: قَدْ يَتَعَلَّقُ بِهِ غُبَارُهُ وَهُوَ غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهُ فِي غَيْرِ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ (قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الْبَاءِ) أَيْ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ وَقَوْلُهُ وَكَسْرِهَا أَيْ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ (قَوْلُهُ: طَهَارَةٌ لُغَوِيَّةٌ) هَذَا جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إذَا كَانَا يَطْهُرَانِ بِمَا يَمُرَّانِ عَلَيْهِ بَعْدُ مِنْ طَاهِرٍ يَابِسٍ فَلَا مَحَلَّ لِلْعَفْوِ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ الْمُرَادَ يَطْهُرَانِ طَهَارَةً لُغَوِيَّةً لَا شَرْعِيَّةً؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ الشَّرْعِيَّةَ لَهُمَا إنَّمَا تَكُونُ بِالْمُطْلَقِ (قَوْلُهُ: مِنْ مَوْضِعٍ) بَيَانٌ لِمَا (قَوْلُهُ: كَالتَّعْلِيلِ لِمَا قَبْلَهُ) أَيْ فَكَأَنَّ قَائِلًا قَالَ لَهُ لِأَيِّ شَيْءٍ عُفِيَ عَنْهُمَا فَقَالَ: لِأَنَّهُمَا يَطْهُرَانِ بِمَا يَمُرَّانِ عَلَيْهِ بَعْدُ مِنْ طَاهِرٍ يَابِسٍ (قَوْلُهُ: وَلَوْ حَذَفَهُ مَا ضَرَّ) أَيْ وَلَوْ حَذَفَ قَوْلَهُ يَطْهُرَانِ وَقَالَ يَمُرَّانِ بِنَجَسٍ يَبَسٍ ثُمَّ يَمُرَّانِ بِطَاهِرٍ بَعْدَهُ مَا ضَرَّ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ حَاصِلٌ بِدُونِ ذَلِكَ.

(قَوْلُهُ: وَعُفِيَ عَنْ مُصِيبِ خُفٍّ) أَيْ عَمَّا أَصَابَ الْخُفَّ وَالنَّعْلَ مِنْ أَرْوَاثِ الدَّوَابِّ وَأَبْوَالِهَا لَا عَمَّا أَصَابَ الثِّيَابَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ الْأَبْدَانَ (قَوْلُهُ: بِمَوْضِعٍ يَطْرُقُهُ الدَّوَابُّ كَثِيرًا) أَيْ كَالطُّرُقِ لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ فِيهَا عَمَّا ذُكِرَ قَالَ بْن وَهَذَا الْقَيْدُ نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ سَحْنُونٍ وَالظَّاهِرُ اعْتِبَارُهُ، وَفِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ إشَارَةٌ إلَيْهِ لِتَعْلِيلِهِ بِالْمَشَقَّةِ وَالْمَشَقَّةُ إنَّمَا هِيَ مَعَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ هُنَا؛ لِأَنَّهُ قَدَّمَ أَنَّ الْعَفْوَ إنَّمَا هُوَ لِعُسْرِ الِاحْتِرَازِ وَعَلَى هَذَا فَلَا يُعْفَى عَمَّا أَصَابَ الْخُفَّ وَالنَّعْلَ مِنْ أَرْوَاثِ الدَّوَابِّ بِمَوْضِعٍ لَا تَطْرُقُهُ الدَّوَابُّ كَثِيرًا وَلَوْ دُلِكَا (قَوْلُهُ: أَوْ نَحْوُهُ) أَيْ كَالْخِرْقَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ زَوَالُ الرِّيحِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا إنْ جَفَّتْ) أَيْ وَكَذَا يُعْفَى عَنْ الْخُفِّ وَالنَّعْلِ إذَا جَفَّتْ النَّجَاسَةُ الْمَذْكُورَةُ (قَوْلُهُ: لَا مِنْ غَيْرِهِ) أَيْ لَا إنْ كَانَ الْمُصِيبُ لِلْخُفِّ وَالنَّعْلِ مِنْ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: فَلَا عَفْوَ) أَيْ وَلَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ قَالَ ح نَقْلًا عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ وَالْعِلَّةُ نُدُورُ ذَلِكَ فِي الطُّرُقَاتِ، فَإِنْ كَثُرَ ذَلِكَ فِيهَا صَارَ كَرَوْثِ الدَّوَابِّ اهـ بْن.
(قَوْلُهُ: وَإِذَا كَانَ لَا عَفْوَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْخُفَّ إذَا أَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ النَّجَاسَاتِ غَيْرِ أَرْوَاثِ الدَّوَابِّ وَأَبْوَالِهَا كَخُرْءِ الْكِلَابِ أَوْ فَضْلَةِ الْآدَمِيِّ أَوْ أَصَابَهُ دَمٌ، فَإِنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْهُ كَمَا مَرَّ وَلَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ، وَإِذَا قُلْنَا بِعَدَمِ الْعَفْوِ وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ الشَّخْصُ حُكْمُهُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ وَلَيْسَ مَعَهُ مِنْ الْمَاءِ مَا يَتَوَضَّأُ بِهِ وَيُزِيلُ بِهِ النَّجَاسَةَ بِأَنْ كَانَ لَا مَاءَ مَعَهُ أَصْلًا إلَّا أَنَّهُ مُتَطَهِّرٌ قَدْ مَسَحَ عَلَى خُفِّهِ وَأَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ أَوْ كَانَ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ وَلَيْسَ عِنْدَهُ مِنْ الْمَاءِ مَا يَكْفِي إلَّا الْوُضُوءَ وَالْمَسْحَ دُونَ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَلَا يُمْكِنُهُ جَمْعُ مَاءِ أَعْضَائِهِ مِنْ غَيْرِ تَغَيُّرِهِ لِيُزِيلَ بِهِ النَّجَاسَةَ، فَإِنَّهُ يَنْزِعُهُ وَيَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ بِمُجَرَّدِ النَّزْعِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَيَنْتَقِلُ لِلتَّيَمُّمِ وَيَبْطُلُ حُكْمُ الْمَسْحِ فِي حَقِّهِ وَلَا يَكْفِيهِ دَلْكُهُ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ لَهُ بَدَلٌ وَغَسْلُ النَّجَاسَةِ لَا بَدَلَ لَهُ وَأُخِذَ مِنْ هَذَا تَقْدِيمُ غَسْلِ النَّجَاسَةِ عَلَى الْوُضُوءِ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَجِدْ مِنْ الْمَاءِ إلَّا مَا يَكْفِيهِ لِإِحْدَى الطَّهَارَتَيْنِ وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ بِهِ وَيُصَلِّي بِالنَّجَاسَةِ ثُمَّ إنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالسُّنِّيَّةِ، فَإِنَّهُ يَبْقَى خُفُّهُ مِنْ غَيْرِ نَزْعٍ وَيُصَلِّي بِالنَّجَاسَةِ مُحَافَظَةً عَلَى الطَّهَارَةِ الْمَائِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ كَانَ فَرْضُهُ) أَيْ حُكْمُهُ (قَوْلُهُ: أَيْ مَنْ حُكْمُهُ الْمَسْحُ إلَخْ) أَشَارَ الشَّارِحُ بِهَذَا إلَى أَنَّ خَلْعَ الْخُفِّ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِمَنْ كَانَ عَلَى طَهَارَةٍ مَسَحَ فِيهَا بِالْفِعْلِ بَلْ يَدْخُلُ مَنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ مَسْحٌ أَصْلًا بِأَنْ لَبِسَهُ عَلَى طَهَارَةٍ وَأَصَابَتْهُ النَّجَاسَةُ وَهُوَ مُتَطَهِّرٌ أَوْ بَعْدَ انْتِقَاضِ وُضُوئِهِ وَقَدْ تَبِعَ الشَّارِحُ فِي إدْخَالِ هَذِهِ الصُّورَةِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تت التَّابِعِ لِابْنِ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِهِ لِابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ طفى وَمَا قَالَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ الْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ فِيمَنْ تَقَدَّمَ لَهُ مَسْحٌ ووضوؤه بَاقٍ وَأَصَابَ خُفَّهُ نَجَاسَةٌ لَا يُعْفَى عَنْهَا وَلَا مَاءَ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ يَتَرَدَّدُ فِي أَنَّهُ هَلْ يَنْزِعُهُ وَيَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ بِالنَّزْعِ وَيَتَيَمَّمُ أَمْ يُبْقِيهِ وَيُصَلِّي بِالنَّجَاسَةِ مُحَافَظَةً عَلَى الطَّهَارَةِ الْمَائِيَّةِ فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْحُكْمَ بِقَوْلِهِ فَيَخْلَعُهُ الْمَاسِحُ أَمَّا مَنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ مَسْحٌ وَوُضُوءُهُ بَاقٍ أَوْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ فَلَا

الصفحة 75