كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 1)

قُلْنَا: مَعْنَاهُ الْعَفْوُ عَنْ وُجُوبِ السُّؤَالِ إذْ هُوَ الْأَصْلُ كَمَا أَشَرْنَا لَهُ أَوْ يُقَالُ مَعْنَى الْعَفْوِ حَمْلُهُ عَلَى الطَّهَارَةِ إذْ مُقْتَضَى الشَّكِّ وُجُوبُ الْغَسْلِ كَمَا أَنَّ الشَّكَّ فِي الْحَدَثِ يُوجِبُ الْوُضُوءَ أَمَّا إذَا كَانَ مِنْ بَيْتِ كَافِرٍ فَمَحْمُولٌ عَلَى النَّجَاسَةِ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ أَوْ يَظُنَّ طَهَارَتَهُ، فَإِنْ أَخْبَرَ بِطَهَارَةِ الْمَشْكُوكِ أَحَدٌ صُدِّقَ الْمُسْلِمُ الْعَدْلُ الرِّوَايَةِ (وَ) عُفِيَ عَنْ (كَسَيْفٍ صَقِيلٍ) دَخَلَ بِالْكَافِ مَا شَابَهَهُ فِي الصِّقَالَةِ كَمُدْيَةٍ وَمِرْآةٍ وَجَوْهَرٍ وَسَائِرِ مَا فِيهِ صِقَالَةٌ وَصَلَابَةٌ مِمَّا يُفْسِدُهُ الْغَسْلُ ثُمَّ صَرَّحَ بِعِلَّةِ الْعَفْوِ لِمَا فِيهَا مِنْ الْخِلَافِ بِقَوْلِهِ (لَإِفْسَادِهِ) بِالْغَسْلِ وَلَوْ قَالَ لِفَسَادِهِ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَحْسَنَ وَسَوَاءٌ مَسَحَهُ مِنْ الدَّمِ أَمْ لَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ أَيْ خِلَافًا لِمَنْ عَلَّلَهُ بِانْتِفَاءِ النَّجَاسَةِ بِالْمَسْحِ أَيْ عُفِيَ عَمَّا يُصِيبُهُ (مِنْ دَمِ) شَيْءٍ (مُبَاحٍ) كَجِهَادٍ وَقِصَاصٍ وَذَبْحٍ وَعَقْرِ صَيْدٍ وَخَرَجَ بِكَالسَّيْفِ الثَّوْبُ وَالْجَسَدُ وَنَحْوُهُمَا وَبِالصَّقِيلِ غَيْرُهُ وَبِدَمِ الْمُبَاحِ دَمُ الْعُدْوَانِ فَيَجِبُ الْغَسْلُ (وَ) عُفِيَ عَنْ (أَثَرِ) أَيْ مِدَّةِ (دُمَّلٍ) وَنَحْوَهُ كَجُرْحٍ (لَمْ يُنْكَ) أَيْ لَمْ يُعْصَرْ وَلَمْ يُقَشَّرْ بَلْ مُصِلَ بِنَفْسِهِ، فَإِنْ نُكِيَ لَمْ يُعْفَ عَمَّا زَادَ عَنْ الدِّرْهَمِ لِأَنَّهُ أَدْخَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ مَا لَمْ يَضْطَرَّ إلَى نَكْئِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا أَخْبَرَ الْأَوَّلُ بِالطَّهَارَةِ وَأَخْبَرَ الثَّانِي بِالنَّجَاسَةِ (قَوْلُهُ: قُلْنَا مَعْنَاهُ إلَخْ) قَالَ بْن فِيهِ نَظَرٌ إذْ الْوَاقِعُ مِنْ بُيُوتِ الْمُسْلِمِينَ مَحْمُولٌ عَلَى الطَّهَارَةِ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فَلَا مَحَلَّ لِلْعَفْوِ وَلَا لِوُجُوبِ السُّؤَالِ فَالظَّاهِرُ فِي الْجَوَابِ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَحْمَدُ الزَّرْقَانِيُّ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَاءَ السَّاقِطَ لَمَّا كَانَ الْغَالِبُ فِيهِ النَّجَاسَةَ كَانَ الْأَصْلُ وُجُوبَ غَسْلِهِ لَكِنْ عُفِيَ عَنْهُ لِكَثْرَةِ سُقُوطِ الْمَاءِ مِنْ السَّقَائِفِ وَحَاجَةِ النَّاسِ لِلْمُرُورِ تَحْتَهَا اهـ (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَخْبَرَ بِطَهَارَةِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ) أَيْ الْوَاقِعِ مِنْ بَيْتِ الْكَافِرِ (قَوْلُهُ: صُدِّقَ الْمُسْلِمُ الْعَدْلُ) أَيْ وَلَا يُصَدَّقُ الْكَافِرُ فِي إخْبَارِهِ بِطَهَارَتِهِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: وَعُفِيَ عَنْ كَسَيْفٍ إلَخْ) أَيْ عَنْ مُصَابٍ كَسَيْفٍ إذْ لَا مَعْنَى لِلْعَفْوِ عَنْ ذَاتِ السَّيْفِ وَنَحْوِهِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ صُلْبًا صَقِيلًا وَكَانَ يُخْشَى فَسَادُهُ بِالْغَسْلِ كَالسَّيْفِ وَنَحْوَهُ، فَإِنَّهُ يُعْفَى عَمَّا أَصَابَهُ مِنْ الدَّمِ الْمُبَاحِ وَلَوْ كَانَ كَثِيرًا خَوْفًا مِنْ إفْسَادِ الْغَسْلِ لَهُ (قَوْلُهُ: صَقِيلٍ) أَيْ مَصْقُولٍ لَا خَرْبَشَةَ فِيهِ وَإِلَّا فَلَا عَفْوَ (قَوْلُهُ: وَمِرْآةٍ) الْأَوْلَى إسْقَاطُهَا؛ لِأَنَّهُ يُعْفَى عَمَّا أَصَابَهَا مِنْ الدَّمِ مُطْلَقًا وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مُبَاحٍ لِتَكَرُّرِ النَّظَرِ فِيهَا الْمَطْلُوبِ شَرْعًا دُونَ السَّيْفِ وَالْمُدْيَةِ قَالَهُ شَيْخُنَا وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ قَصْدَ الشَّارِحِ التَّمْثِيلُ لِلْمُشَابِهِ لِلسَّيْفِ فِي الصِّقَالَةِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْحُكْمِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَسَائِرُ مَا فِيهِ صِقَالَةٌ وَصَلَابَةٌ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْعَفْوِ مِنْ الْأَمْرَيْنِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الصَّلَابَةَ؛ لِأَنَّهُ مَثَّلَ بِالسَّيْفِ وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا صُلْبًا (قَوْلُهُ: لِإِفْسَادِهِ) مُتَعَلِّقُ يُعْفَى أَيْ لِأَجْلِ دَفْعِ إفْسَادِهِ الْحَاصِلِ بِغَسْلِهِ لَا لِتَحْصِيلِ إفْسَادِهِ (قَوْلُهُ: وَأَحْسَنَ) أَيْ لِأَنَّ الْإِفْسَادَ فِعْلُ الْفَاعِلِ فَلَا يَتَّصِفُ بِهِ السَّيْفُ وَإِنَّمَا يَتَّصِلُ بِالْفَسَادِ (قَوْلُهُ: وَسَوَاءٌ مَسَحَهُ مِنْ الدَّمِ أَمْ لَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ) هَذَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ كَمَا فِي أَبِي الْحَسَنِ، وَمِثْلُهُ فِي التَّوْضِيحِ وح عَنْ النَّوَادِرِ وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْعَفْوَ بِشَرْطِ الْمَسْحِ نَقَلَهُ الْبَاجِيَّ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ إنَّهُ قَوْلُ الْأَبْهَرِيِّ اهـ بْن (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِمَنْ عَلَّلَهُ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ يَقُولُ يُعْفَى عَمَّا أَصَابَهُ مِنْ الدَّمِ الْمُبَاحِ بِشَرْطِ مَسْحِهِ لِانْتِفَاءِ النَّجَاسَةِ بِالْمَسْحِ فَهَذَا التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُعْفَى عَمَّا أَصَابَ السَّيْفَ وَنَحْوَهُ مِنْ الدَّمِ الْمُبَاحِ إلَّا إذَا مَسَحَ وَإِلَّا فَلَا وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لَا يُعْفَى عَمَّا أَصَابَ الظُّفْرَ وَالْجَسَدَ مِنْ الدَّمِ الْمُبَاحِ لِعَدَمِ صَلَابَتِهِمَا وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي يُعْفَى عَمَّا أَصَابَهُمَا مِنْهُ إذَا مَسَحَ (قَوْلُهُ: مِنْ دَمٍ مُبَاحٍ) أَيْ زَائِدٍ عَلَى دِرْهَمٍ أَمَّا لَوْ كَانَ دِرْهَمًا فَلَا يَتَقَيَّدُ الْعَفْوُ لَا بِالصَّقِيلِ وَلَا بِالصُّلْبِ وَلَا يَكُونُ الدَّمُ مُبَاحًا قَالَ شَيْخُنَا وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُبَاحِ غَيْرُ الْمُحَرَّمِ فَيَدْخُلُ فِيهِ دَمُ مَكْرُوهِ الْأَكْلِ إذَا زَكَّاهُ بِهِ وَالْمُرَادُ مُبَاحٌ أَصَالَةً فَلَا يَضُرُّ حُرْمَتُهُ لِعَارِضٍ كَقَتْلِ مُرْتَدٍّ بِهِ وَزَانٍ أُحْصِنَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ: وَعَقْرِ صَيْدٍ) أَيْ لِأَجَلِ الْعَيْشِ (قَوْلُهُ: وَنَحْوِهِمَا) أَيْ كَالظُّفْرِ (قَوْلُهُ: غَيْرُهُ) أَيْ مِمَّا فِيهِ خَرْبَشَةٌ (قَوْلُهُ: وَبِدَمِ الْمُبَاحِ إلَخْ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَبِالدَّمِ غَيْرُهُ مِنْ النَّجَاسَاتِ؛ لِأَنَّ الدَّمَ هُوَ الَّذِي يَعْسُرُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ لِغَلَبَةِ وُصُولِهِ لِلسَّيْفِ وَنَحْوِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ النَّجَاسَاتِ وَبِالْمُبَاحِ مِنْ الْعُدْوَانِ (تَنْبِيهٌ) أَلْحَقَ خش الزُّجَاجَ بِالسَّيْفِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْغَسْلَ لَا يُفْسِدُهُ فَلَا يُعْفَى عَنْهُ وَلِذَا قَالَ ح وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ لِإِفْسَادِهِ الزُّجَاجُ، فَإِنَّهُ وَإِنْ شَابَهُ السَّيْفَ فِي الصِّقَالَةِ وَالصَّلَابَةِ لَكِنَّهُ لَا يُفْسِدُهُ الْغَسْلُ اهـ بْن (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُقْشَرْ) أَيْ لَمْ تَزُلْ قِشْرَتُهُ (قَوْلُهُ: بَلْ مُصِلَ بِنَفْسِهِ) أَيْ بَلْ سَالَ بِنَفْسِهِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ نُكِيَ) أَيْ عُصِرَ أَوْ قُشِرَ أَيْ أُزِيلَتْ قِشْرَتُهُ فَسَالَ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَضْطَرَّ إلَى نَكْئِهِ) أَيْ قَشْرِهِ أَوْ عَصْرِهِ

الصفحة 77