كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 1)

فَكَانُوا فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَالْمُصَنِّفُ كَانَ مِنْ أَجَلِّهِمْ وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْكَشْفِ كَشَيْخِهِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَنُوفِيِّ (خَلِيلُ) اسْمُ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ بَدَلٌ أَوْ بَيَانٌ لِلْفَقِيرِ الْمُضْطَرِّ أَوْ خَبَرُ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هُوَ (خَلِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ) نَعْتٌ لِخَلِيلٍ أَوْ خَبَرٌ لِمَحْذُوفٍ ابْنِ مُوسَى وَوَهَمَ مَنْ قَالَ ابْنِ يَعْقُوبَ (الْمَالِكِيُّ) نِسْبَةٌ لِمَالِكٍ الْإِمَامِ لِكَوْنِهِ كَانَ يَتَعَبَّدُ عَلَى مَذْهَبِهِ وَيَبْحَثُ عَنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي ذَهَبَ إلَيْهَا إفَادَةً وَاسْتِفَادَةً وَهُوَ نَعْتٌ ثَانٍ لِخَلِيلٍ لَا لِإِسْحَاقَ لِأَنَّهُ كَانَ حَنَفِيًّا وَشَغَلَ وَلَدَهُ بِمَذْهَبِ مَالِكٍ لِمَحَبَّتِهِ فِي شَيْخِهِ سَيِّدِي عَبْدِ اللَّهِ الْمَنُوفِيِّ وَسَيِّدِي أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَاجِّ صَاحِبِ الْمَدْخَلِ وَكَانَ إِسْحَاقُ وَالِدُ الْمُصَنِّفِ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَمِنْ أَهْلِ الْكَشْفِ نَصَّ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاقِبِ سَيِّدِي عَبْدِ اللَّهِ الْمَنُوفِيِّ وَنَصُّهُ وَكَانَ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ الْأَوْلِيَاءِ الْأَخْيَارِ وَكَانَ قَدْ صَحِبَ جَمَاعَةً مِنْ الْأَخْيَارِ مِثْلَ سَيِّدِي الشَّيْخِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَنُوفِيِّ وَسَيِّدِي الشَّيْخِ الصَّالِحِ الْعَارِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَاجِّ وَكَانَ سَيِّدِي الشَّيْخُ أَيْ الْمَنُوفِيُّ يَأْتِي إلَيْهِ يَزُورُهُ
وَمِنْ مُكَاشَفَاتِ الْوَالِدِ أَنِّي قُلْت لَهُ يَوْمًا وَهُوَ ضَعِيفٌ مُنْقَطِعٌ يَا وَالِدِي سَيِّدِي أَحْمَدُ بْنُ سَيِّدِي الشَّيْخِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَاجِّ ضَعِيفٌ عَلَى الْمَوْتِ فَقَالَ سَيِّدِي أَحْمَدُ لَا يُصِيبُهُ الْمَرَّةَ شَيْءٌ وَلَكِنَّ سَيِّدِي مُحَمَّدًا أَخُوهُ قَدْ مَاتَ فَذَهَبْتُ فَوَجَدْتُهُمْ كَمَا ذَكَرَ رَجَعُوا مِنْ دَفْنِهِ وَلَمْ يَكُنْ قَدْ جَاءَ أَحَدٌ أَعْلَمَهُ بِذَلِكَ وَذَكَرَ حِكَايَةً أُخْرَى مِنْ مُكَاشَفَاتِهِ فَرَاجِعْهُ إنْ شِئْتَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعَنْ وَالِدِهِ وَعَنْ أَشْيَاخِهِ آمِينَ تُوُفِّيَ الْمُصَنِّفُ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّينَ وَسَبْعِمِائَةٍ وَإِنَّمَا ذَكَرَ نَفْسَهُ فِي مَبْدَإِ كِتَابِهِ لِيَكُونَ كِتَابُهُ أَدْعَى لِلْقَبُولِ إذْ التَّأْلِيفُ الْمَجْهُولُ مُؤَلِّفُهُ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ غَالِبًا (الْحَمْدُ لِلَّهِ) هُوَ وَمَا بَعْدَهُ مَقُولُ الْقَوْلِ وَالْحَمْدُ لُغَةً
ـــــــــــــــــــــــــــــQتَعَالَى وَفِيهِ إشَارَةٌ لِمَا وَرَدَ مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ عَرَفَ رَبَّهُ (قَوْلُهُ: فَكَانُوا إلَخْ) هَذَا إشَارَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ} [القمر: 54] {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر: 55] وَهَذِهِ الْعِنْدِيَّةُ عِنْدِيَّةُ مَكَانَةٍ لَا عِنْدِيَّةُ مَكَان لِاسْتِحَالَتِهَا عَلَيْهِ تَعَالَى وَحِينَئِذٍ فَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ يَكُونُونَ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ بِحَيْثُ يَكُونُونَ مُقَرَّبِينَ مِنْهُ تَعَالَى قُرْبًا مَعْنَوِيًّا لَا حِسِّيًّا (قَوْلُهُ: خَلِيلُ) فَعِيلٌ مَأْخُوذٌ مِنْ الْخُلَّةِ بِالضَّمِّ وَهِيَ صَفَاءُ الْمَوَدَّةِ أَيْ الْمَحَبَّةُ الْخَالِصَةُ مِنْ مُشَارَكَةِ الْأَغْيَارِ فَهُوَ فِي الْأَصْلِ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فَهُوَ عَلَمٌ مَنْقُولٌ مِنْ الصِّفَةِ الْمُشَبَّهَةِ (قَوْلُهُ: أَيْ هُوَ خَلِيلُ) وَعَلَى هَذَا فَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا وَاقِعَةٌ فِي جَوَابِ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ كَأَنَّهُ قِيلَ وَمَنْ ذَلِكَ الْعَبْدُ الْفَقِيرُ الْمُضْطَرُّ فَقِيلَ هُوَ خَلِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ
(قَوْلُهُ: نَعْتٌ لِخَلِيلٍ) أَيْ خَلِيلٍ الْمَنْسُوبِ لِإِسْحَاقَ بِالْبُنُوَّةِ فَهُوَ مُؤَوَّلٌ بِالْمُشْتَقِّ فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ: إنَّ ابْنَ جَامِدٌ فَكَيْفَ يَكُونُ نَعْتًا وَالنَّعْتُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُشْتَقًّا (قَوْلُهُ: أَوْ خَبَرٌ لِمَحْذُوفِ) أَيْ هُوَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَعَلَى هَذَا فَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ كَأَنَّهُ قِيلَ وَمَنْ خَلِيلٌ (قَوْلُهُ: ابْنِ مُوسَى) هَذَا هُوَ الصَّوَابُ كَمَا فِي ح وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَوَهِمَ مَنْ قَالَ إلَخْ) أَيْ وَغَلِطَ مَنْ أَبْدَلَ مُوسَى بِيَعْقُوبَ وَهُوَ ابْنُ غَازِيٍّ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ إِسْحَاقَ إنَّمَا كَانَ وَالِدُهُ يُسَمَّى مُوسَى لَا يَعْقُوبَ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ كَانَ حَنَفِيًّا) أَيْ لِأَنَّ إِسْحَاقَ كَانَ حَنَفِيًّا (قَوْلُهُ: وَشَغَلَ وَلَدَهُ) أَيْ خَلِيلًا بِمَذْهَبِ مَالِكٍ وَفِي شب وَغَيْرِهِ أَنَّ الْمُصَنِّفَ مَكَثَ فِي تَأْلِيفِ هَذَا الْمُخْتَصَرِ نَيِّفًا وَعِشْرِينَ سَنَةً وَلَخَّصَهُ أَيْ بَيَّضَهُ فِي حَيَاتِهِ لِلنِّكَاحِ، وَبَاقِيهِ وُجِدَ فِي أَوْرَاقِ مُسَوَّدَةٍ فَجَمَعَهُ أَصْحَابُهُ وَفِي ح أَنَّ لَهُ شَرْحًا عَلَى بَعْضِهِ قَالَ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ شَرَحَ أَلْفِيَّةَ ابْنِ مَالِكٍ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ: مَكَثَ الْمُصَنِّفُ عِشْرِينَ سَنَةً بِمِصْرَ لَمْ يَرَ النِّيلَ لِاشْتِغَالِهِ بِمَا يَعْنِي وَكَانَ يَلْبَسُ لُبْسَ الْجُنْدِ الْمُتَقَشِّفِينَ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا ذَكَرَ نَفْسَهُ) أَيْ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ اسْمُهُ فِي مَبْدَإِ كِتَابِهِ.
(قَوْلُهُ: وَمَا بَعْدَهُ) أَيْ لِآخِرِ الْكِتَابِ (قَوْلُهُ: مَقُولُ الْقَوْلِ) أَيْ فَمَحَلُّهُ نُصِبَ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ لَا عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ خِلَافًا لِابْنِ الْحَاجِبِ وَهَلْ كُلُّ جُمْلَةٍ مِنْ الْمَقُولِ لَهَا مَحَلٌّ عَلَى حِدَتِهَا أَوْ لَا بَلْ الْمَحَلُّ لِمَجْمُوعِهَا فَقَطْ فِيهِ خِلَافٌ (قَوْلُهُ: وَالْحَمْدُ) مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ وَالثَّنَاءُ خَبَرٌ وَقَوْلُهُ لُغَةً إمَّا حَالٌ مِنْ الْمُبْتَدَإِ عِنْدَ مَنْ أَجَازَهُ أَوْ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ إذْ الْأَصْلُ وَتَفْسِيرُ الْحَمْدِ حَالَةَ كَوْنِهِ لُغَةً أَيْ مِنْ جُمْلَةِ الْأَلْفَاظِ اللُّغَوِيَّةِ أَوْ نُصِبَ عَلَى التَّمْيِيزِ أَوْ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ وَالْحَمْدُ فِي اللُّغَةِ

الصفحة 9