كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 1)

كَمَا عَزَاهُ الْفَاكِهَانِيُّ لِابْنِ حَبِيبٍ فَقِيَامُ الْبَلَلِ عِنْدَهُمْ دَلِيلٌ عَلَى بَقَاءِ أَثَرِ الْوُضُوءِ (أَوْ) الْمُوَالَاةُ (سُنَّةٌ) وَعَلَيْهِ إنْ فَرَّقَ نَاسِيًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَكَذَا عَامِدًا عَلَى مَا لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَمُقَابِلُهُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ يُعِيدُ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ أَبَدًا كَتَرْكِ سُنَّةٍ مِنْ سُنَنِهَا عَمْدًا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَالثَّانِي لَا تَبْطُلُ، فِي الْجَوَابِ (خِلَافٌ) فِي التَّشْهِيرِ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ

الْفَرِيضَةُ السَّابِعَةُ النِّيَّةُ وَهِيَ الْقَصْدُ لِلشَّيْءِ وَمَحَلُّهَا الْقَلْبُ وَإِنَّمَا أَخَّرَهَا الْمُصَنِّفُ وَإِنْ كَانَ حَقُّهَا التَّقْدِيمَ أَوَّلَ الْفَرَائِضِ لِكَثْرَةِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ الْمَسَائِلِ فَأَرَادَ أَنْ يَتَفَرَّغَ مِنْ غَيْرِهَا لَهَا فَقَالَ (وَنِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ) أَيْ الْمَنْحِ الْمُتَرَتِّبِ أَوْ الصِّفَةِ الْمُقَدَّرَةِ (عِنْدَ) غَسْلِ (وَجْهِهِ) إنْ بَدَأَ بِهِ كَمَا هُوَ السُّنَّةُ وَإِلَّا فَعِنْدَ أَوَّلِ فَرْضٍ (أَوْ) نِيَّةِ (الْفَرْضِ) أَيْ فَرْضِ الْوُضُوءِ أَيْ نِيَّةِ أَدَائِهِ وَالْمُرَادُ بِالْفَرْضِ مَا تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْعِبَادَةِ عَلَيْهِ لِيَشْمَلَ وُضُوءَ الصَّبِيِّ (أَوْ) نِيَّةُ (اسْتِبَاحَةِ مَمْنُوعٍ) أَيْ مَا مَنَعَهُ الْحَدَثُ بِالْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ وَ " أَوْ " فِي كَلَامِهِ مَانِعَةُ خُلُوٍّ فَتُجَوِّزُ الْجَمْعَ بَلْ الْأَوْلَى الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الْكَيْفِيَّاتِ الثَّلَاثَةِ وَيَضُرُّ نِيَّةُ بَعْضِهَا وَإِخْرَاجُ الْبَعْضِ لِلتَّنَافِي كَأَنْ يَقُولَ: نَوَيْتُ فَرْضَ الْوُضُوءِ لَا اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ وَإِذَا نَوَى أَحَدَهَا بِلَا إخْرَاجٍ لِغَيْرِهِ أَجْزَأَ (وَإِنْ مَعَ) نِيَّةِ (تَبَرُّدٍ) أَوْ تَدَفٍّ أَوْ نَظَافَةٍ أَوْ تَعْلِيمٍ إذْ نِيَّةُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ بِغَيْرِ الْعَاجِزِ وَالنَّاسِي وَذَلِكَ الْغَيْرُ هُوَ الْعَامِدُ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَقَوْلُهُ مُلْحَقًا بِغَيْرِهِمَا أَيْ مِنْ جِهَةِ الْبِنَاءِ مَا لَمْ يَطُلْ فِي كُلٍّ (قَوْلُهُ: إنْ فَرَّقَ نَاسِيًا) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ قَدْ حَصَلَ طُولٌ (قَوْلُهُ: عَلَى مَا لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ) هَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُوَالَاةَ سُنَّةٌ مَنْ فَرَّقَ نَاسِيًا يَبْنِي عَلَى مَا فَعَلَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا.
وَأَمَّا إنْ فَرَّقَ عَامِدًا وَالْحَالُ أَنَّهُ حَصَلَ طُولٌ فَفِيهِ قَوْلَانِ قِيلَ يَبْنِي عَلَى مَا فَعَلَهُ وَلَا يُطَالَبُ بِإِعَادَةِ الْوُضُوءِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَقِيلَ يُعِيدُ الْوُضُوءَ مِنْ أَوَّلِهِ، فَإِنْ بَنَى عَلَى مَا فَعَلَ وَصَلَّى أَعَادَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ أَبَدًا وَهُوَ الْمَشْهُورُ (قَوْلُهُ: مِنْ سُنَنِهَا) أَيْ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: وَالثَّانِي) أَيْ مِنْ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ فِي تَرْكِ سُنَّةِ الصَّلَاةِ عَمْدًا (قَوْلُهُ: خِلَافٌ فِي التَّشْهِيرِ) فَقَدْ شَهَرَ الْقَوْلَ بِالْوُجُوبِ ابْنُ نَاجِيٍّ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَشَهَرَ الْقَوْلَ بِالسُّنِّيَّةِ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَهَذَا الْخِلَافُ مَعْنَوِيٌّ إنْ رَاعَيْنَا قَوْلَ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ عَلَى السُّنِّيَّةِ؛ لِأَنَّ مَنْ فَرَّقَ عَمْدًا وَطَالَ لَا يَبْنِي عَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ، فَإِنْ بَنَى وَصَلَّى أَعَادَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ أَبَدًا، وَعَلَى الْقَوْلِ بِالسُّنِّيَّةِ يَبْنِي وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إمَّا عَلَى الْمَشْهُورِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فَالْخِلَافُ لَفْظِيٌّ؛ لِأَنَّ الْمُفَرِّقَ عَمْدًا إذَا طَالَ تَفْرِيقُهُ لَا يَبْنِي وَيُعِيدُ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ أَبَدًا إذَا بَنَى عَلَى كُلٍّ مِنْ الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ وَالسُّنِّيَّةِ وَح جَعَلَ الْخِلَافَ مَعْنَوِيًّا وَعِجْ جَعَلَهُ لَفْظِيًّا وَقَدْ عَلِمْت وَجْهَ كُلٍّ مِنْ التَّقْرِيرَيْنِ.

(قَوْلُهُ: وَهِيَ الْقَصْدُ إلَى الشَّيْءِ) أَيْ فَهِيَ مِنْ بَابِ الْقُصُودِ وَالْإِرَادَاتِ لَا مِنْ بَابِ الْعُلُومِ وَالِاعْتِقَادَاتِ وَحِينَئِذٍ فَهِيَ مِنْ كَسْبِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ إلَى الشَّيْءِ تَوَجُّهُ النَّفْسُ إلَيْهِ فَقَوْلُ عبق إنَّ النِّيَّةَ لَيْسَتْ مِنْ كَسْبِ الْمُتَوَضِّئِ فِيهِ نَظَرٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ حَقُّهَا التَّقْدِيمَ إلَخْ) أَيْ لِتَقَدُّمِهَا عَلَى غَيْرِهَا مِنْ الْفَرَائِضِ فِي الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ (قَوْلُهُ: أَيْ الْمَنْعُ الْمُتَرَتِّبُ) أَيْ عَلَى الشَّخْصِ (قَوْلُهُ: عِنْدَ غَسْلِ وَجْهِهِ) أَيْ وَعَلَيْهِ فَيَنْوِي لِلسُّنَنِ السَّابِقَةِ عَلَى الْوَجْهِ نِيَّةً مُنْفَرِدَةً فَلَا يُقَالُ: إنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى كَوْنِ النِّيَّةِ عِنْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ خُلُوُّهَا عَنْ نِيَّةٍ وَعَلَى هَذَا فَلِلْوُضُوءِ نِيَّتَانِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّ النِّيَّةَ عِنْدَ غَسْلِ الْيَدَيْنِ لِلْكُوعَيْنِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ جَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ فَقَالَ: إنَّهُ يَبْدَأُ بِالنِّيَّةِ أَوَّلَ الْفِعْلِ وَيَسْتَصْحِبُهَا لِأَوَّلِ الْفُرُوضِ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَتَى بِالنِّيَّةِ عِنْدَ غَسْلِ الْيَدَيْنِ لِلْكُوعَيْنِ وَصَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَتَى بِهَا عِنْدَ غَسْلِ أَوَّلِ فَرْضٍ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَعِنْدَ أَوَّلِ فَرْضٍ) أَيْ وَإِلَّا بِأَنْ نَكَّسَ وَبَدَأَ بِغَيْرِهِ فَعِنْدَ أَوَّلِ فَرْضٍ (قَوْلُهُ: أَيْ نِيَّةُ أَدَائِهِ) أَيْ تَأْدِيَةُ الْفِعْلِ الْمَفْرُوضِ (قَوْلُهُ: بِالْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ) أَيْ وَهُوَ الْمَنْعُ الْمُتَرَتِّبُ أَوْ الصِّفَةُ الْمُقَدَّرُ قِيَامُهَا بِالْأَعْضَاءِ قِيَامَ الْأَوْصَافِ الْحِسِّيَّةِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُرَادَ بِالْحَدَثِ الْوَصْفُ إذْ لَا مَعْنَى لِقَوْلِنَا اسْتِبَاحَةُ مَا مَنَعَ مِنْهُ الْمَنْعُ (قَوْلُهُ: فَتُجَوِّزُ الْجَمْعَ إلَخْ) فَيَجُوزُ لِلشَّخْصِ الشَّارِعِ فِي الْوُضُوءِ أَنْ يَنْوِيَ رَفْعَ الْحَدَثِ وَأَدَاءَ الْفَرْضِ وَاسْتِبَاحَةَ مَا مَنَعَهُ الْحَدَثُ مِنْ صَلَاةٍ أَوْ طَوَافٍ أَوْ مَسِّ مُصْحَفٍ (قَوْلُهُ: لِلتَّنَافِي) أَيْ؛ لِأَنَّهُ تَنَاقَضَ فِي ذَاتِ النِّيَّةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ نَوَيْتُ رَفْعَ الْحَدَثِ نَوَيْتُ عَدَمَ رَفْعِهِ أَوْ نَوَيْتُ لَا نَوَيْتُ (قَوْلُهُ: وَإِنْ مَعَ تَبَرُّدٍ) أَيْ هَذَا إذَا كَانَتْ نِيَّةُ مَا ذُكِرَ غَيْرَ مُصَاحِبَةٍ لِنِيَّةِ تَبَرُّدٍ بَلْ وَإِنْ كَانَتْ نِيَّةُ مَا ذُكِرَ مُصَاحِبَةً لِنِيَّةِ تَبَرُّدٍ وَمَعَ هُنَا لِمُطْلَقِ الْمُشَارَكَةِ وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ

الصفحة 93