كتاب الحملة الصليبية على العالم الإسلامي والعالم (اسم الجزء: 1)

"فاليهود في الأساس هم بدو رحل لم يستطيعوا أن ينتجوا تراث خاص بهم، بل لجئوا إلى نهب تراث الشعوب الأخرى وبالذات تلك التي خضعوا لسيطرتها، ونسبوها إلى أنفسهم، وسجلها كهنتهم في العهد القديم على شكل نبوءات وتمنيات، مضفين عليها هاله من القداسة. وبدورهم اخذ أنبياء الجماعة يفرغون ذواتهم من طاقاتهم بتحويل مشاعرهم الأليمة المقهورة المشحونة بالحقد والكره والتعصب، إلى مبالغة في توعد الآخرين وفي اتهامهم وفي العدوان عليهم بالكلام البذيء المجرح ليكون ذلك هو البديل عن البطش بهم أو عن أي أسلوب عنيف آخر" (¬1).
يقول الأستاذ شفيق مقار في كتابه (السحر في التوراة والعهد القديم): "ينبغي أن تظل نصب أعيننا ونحن نبحث في أصول الديانة التي صاغها الكهنة حول يهوه، حقيقة أساسية لا مؤدى لغيابها أو تغييبها عمداً على سبيل التقى والورع، تلك الحقيقة أن وراء كل سرد للتاريخ أو ـ بالأحرى ـ تأليف للتاريخ في كل سفر من أسفار التوراة والعهد القديم، نهجاً ثابتاً لا سبيل إلى تسميته إلا بـ (التأريخ بالتمني)، والذي استمات المؤلفون اليهود في إيهامنا بأن كتابهم موحى به من السماء وانه (كلمة الله). ولكن كيف يكون كذلك وهو منقول نقلاً في كل كتاباتهم المقدسة، من الأدب الديني لشعوب أخرى اعرق حضارة؟. فتلك الكتابات لا تكاد تضم شيئاً لا نجده منقولاً من كتابات تلك الشعوب. لكنهم ينكرون ذلك بطبيعة الحال ويتمسكون بإرجاع تاريخهم إلى آدم سعياً إلى قدم وأصالة يظلان أسطوريين ككل تاريخهم. وفي جذور ذلك الإصرار على التشبث بالقدم والتاريخ التليد والأصل العريق، يظل يصرخ الشعور بصغر الشأن والضياع. وكما يعمد المريض بالهذيان إلى ضروب هذيانه ليخفف بها من وقع الواقع المحبط المعاكس على نفسه الممزقة بالعذاب، عمد أولئك المؤلفون والمحررون إلى إعادة كتابة تاريخ للعالم والبشرية بالتمني ليصنعوا لأنفسهم وشعبهم المبارك تاريخاً مقدساً فريداً أخص لا يجعلهم متساوين مع
¬_________
(¬1) المسيح القادم .. مسيح يهودي سفاح - جورجي كنعان - ص152

الصفحة 223