كتاب الحملة الصليبية على العالم الإسلامي والعالم (اسم الجزء: 1)
عشق أولئك الناس لأسباب تخصه من فجر التاريخ وميزهم وجعلهم شعبه المختار والأخص، وتعاقد مع آبائهم ـ شرط أن يتختنوا ـ على إعطائهم أراضى شعوب عديدة ذات ارض خصبه وحضارات عريقة، وطرد تلك الشعوب من طريق الشعب الأخص المختار وأبادتها حتى لا تضايقه" (¬1).
وهذا الادعاء بالخصوصية والتفوق المزعوم لا يمكن تفسيره الا بنقيضه، حيث لعبت هزائم قبائل بني إسرائيل الكثيرة والمؤلمة أمام الحضارات العريقة لبلاد ما بين الرافدين وحضارات مصر الفرعونية دورا مهما في محاولة تعويض هذه الهزائم عن طريق إقامة ميثاق مقدس مع يهوه. الأمر الذي سيعوضهم النقص الذي كانوا يشعرون به لدى مقارنة نفسهم مع الحضارات المحيطة بهم. وهذا ما نراه واضحاً في أحاديث قادة إسرائيل مع الرب وتضخيمهم ومبالغاتهم كما هو جلي في موقفهم من الشعوب والأمم الكبرى. أننا نعثر في التوراة على رغبة الإله اليهودي في أن يجعل من كنعان (أهل فلسطين الأصليين) ملعوناً وعبداً، بينما تصبح بابل المكان الذي تبلبلت فيه السن الشعوب والأمم، وتصبح مصر وأهلها، أي من أنقذ اليهود - حسب أساطير التوراة نفسها- من المجاعة والموت، تهمة وشتيمة. في حين يتحول (الخروج) وأحكامه كما وضعت على لسان موسى إلى سفر عن مشاركة الملاك إياه في طرد الكنعانيين والاموريين والحثيين والغرزيين والحوبيين واليبوسيين. بحيث طالب إلههم موسى في (العدد) بالانتقام لبني إسرائيل من المديانيين بقتل ذكورهم وسبي نسائهم وأطفالهم وسرقة مواشيهم وحرق مدنهم، كما لو أن قيمة (العدد) تتمثل في تعداد من ينبغي طرده وقتله. بينما تمثل قوانين وتعاليم (التثنية) في تعاملها مع الأعداء ضراوة عنصرية دموية الظاهر والباطن. في حين لا نعثر في التوراة كلها على مديح أو ثناء لأي شعب من الشعوب التي أرست أسس الحضارة الإنسانية. على العكس أنها تكتظ بالشتائم القبيحة والأحكام المبتذلة والكراهية الوسخة، التي تكشف عن طبيعة النفس الغضبية اليهودية وإلهها" (¬2).
¬_________
(¬1) قراءة سياسية للتوراة - شفيق مقار ـ ص181 - رياض الريس للكتب والنشر - لندن-قبرص- ط1 1991
(¬2) ثالوث الإله القومي والشعب المختار والقوة الغضبية (الصورة والمعنى في الصراع العربي - اليهودي) - د. ميثم الجنابي- مجلة المؤتمر عدد 1174 - 14 - آب-2006 - http://www.inciraq.com/Al-Mutamar/2006/1101_1200/1174/060814_1174_5..htm
الصفحة 225
368