كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 1)

قَرَأَ وَلَوْ آيَةً وَخَرَجَ بِالْفَرْضِ مَا عَدَاهُ فَإِنَّ قِرَاءَةَ مَا زَادَ عَلَى أُمِّ الْقُرْآنِ مُسْتَحَبٌّ وَبِالْوَقْتِيِّ مَا لَا وَقْتَ لَهُ كَالْجِنَازَةِ فَلَا فَاتِحَةَ فِيهَا فَضْلًا عَنْ السُّورَةِ وَبِالْمُتَّسِعِ وَقْتُهُ مَا لَا يَتَّسِعُ وَقْتُهُ فَلَا سُورَةَ فِيهِ خَشْيَةَ خُرُوجِ الْوَقْتِ فَقَوْلُهُ سُورَةٌ فِيهِ تَجُوزُ لِمَا عَلِمْت أَنَّ السُّنَّةَ مَا زَادَ عَلَى الْفَاتِحَةِ وَلَوْ آيَةً.

(ص) وَقِيَامٌ لَهَا (ش) يَعْنِي أَنَّ الْقِيَامَ لِلسُّورَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ سُنَّةٌ لَا لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ لِقِرَاءَةِ السُّورَةِ وَهِيَ سُنَّةٌ فَهُوَ كَذَلِكَ فَيَرْكَعُ مَنْ عَجَزَ عَنْ السُّورَةِ إثْرَ الْفَاتِحَةِ وَلَا يَقُومُ قَدْرَهَا وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى وَفَائِدَةُ كَوْنِ الْقِيَامِ لِلسُّورَةِ سُنَّةً أَنَّهُ لَوْ اسْتَنَدَ فِي حَالِ قِرَاءَتِهَا بِحَيْثُ لَوْ أُزِيلَ الْعِمَادُ لَسَقَطَ صَحَّتْ صَلَاتُهُ عَلَى كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّ الْقِيَامَ لَهَا وَاجِبٌ فَلَوْ اسْتَنَدَ فِي حَالِ قِرَاءَتِهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إلَّا أَنَّهُمْ لَمْ يُسَلِّمُوا لِابْنِ عَرَفَةَ فِي هَذَا.

(ص) وَجَهْرٌ أَقَلُّهُ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَمَنْ يَلِيهِ وَسِرٌّ بِمَحَلِّهِمَا (ش) يَعْنِي أَنَّ مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ الْجَهْرُ فِيمَا يُجْهَرُ فِيهِ كَأُولَتَيْ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ، وَالسِّرُّ فِيمَا يُسَرُّ فِيهِ كَالظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَأَخِيرَتَيْ الْعِشَاءِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ أَدْنَى السِّرِّ أَنْ يُحَرِّكَ لِسَانَهُ بِالْقِرَاءَةِ فَإِنْ لَمْ يُحَرِّكْ لِسَانَهُ لَمْ يَجْزِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ قِرَاءَةً بِدَلِيلِ جَوَازِهَا لِلْجُنُبِ وَأَعْلَاهُ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ فَقَطْ وَأَدْنَى الْجَهْرِ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَمَنْ يَلِيهِ وَأَعْلَاهُ لَا حَدَّ لَهُ وَالْمَرْأَةُ دُونَ الرَّجُلِ فِي الْجَهْرِ بِأَنْ تُسْمِعَ نَفْسَهَا فَقَطْ فَيَكُونُ أَعْلَى جَهْرِهَا وَأَدْنَاهُ وَاحِدًا وَعَلَى هَذَا يَسْتَوِي فِي حَقِّهَا السِّرُّ وَالْجَهْرُ أَيْ مَعَ سِرِّ الرَّجُلِ إذْ أَعْلَاهُ كَمَا مَرَّ أَنَّهُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ فَقَطْ؛ لِأَنَّ صَوْتَهَا عَوْرَةٌ وَرُبَّمَا كَانَ فِتْنَةً، وَلِذَلِكَ لَا تُؤَذِّنُ اتِّفَاقًا وَمَحَلُّ مَطْلُوبِيَّةِ الْجَهْرِ إنْ كَانَ وَحْدَهُ، أَمَّا لَوْ كَانَ قَرِيبًا مِنْهُ مُصَلٍّ آخَرُ فَحُكْمُهُ فِي جَهْرِهِ حُكْمُ الْمَرْأَةِ وَهَذَا فِي حَقِّ غَيْرِ الْإِمَامِ وَأَمَّا هُوَ فَيُبَالِغُ فِي رَفْعِ صَوْتِهِ بِقَدْرِ مَا يُسْمِعُ مَنْ خَلْفَهُ.

(ص) وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ إلَّا الْإِحْرَامَ (ش) يَعْنِي أَنَّ كُلَّ تَكْبِيرَةٍ مِنْ تَكْبِيرِ الصَّلَاةِ سُنَّةٌ سِوَى تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فَإِنَّهَا فَرْضٌ كَمَا مَرَّ ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ الْكُلُّ الْجَمِيعِيُّ أَيْ كُلُّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ التَّكْبِيرِ فَيَكُونُ مَاشِيًا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ الْكُلُّ الْمَجْمُوعِيُّ فَيَكُونُ مَاشِيًا عَلَى قَوْلِ الْأَبْهَرِيِّ وَاخْتَارَهُ الشَّارِحُ إلَّا أَنَّهُ يَرِدُ عَلَى الْكُلِّ الْمَجْمُوعِيِّ قَوْلُهُ إلَّا الْإِحْرَامَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْجَمِيعِ لَا مِنْ الْمَجْمُوعِ فَحَمْلُهُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مُتَعَيِّنٌ.

(ص) وَسَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ لِإِمَامٍ وَفَذٍّ (ش) أَيْ وَكُلُّ لَفْظٍ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ عِنْدَ رَفْعِ الرُّكُوعِ لِإِمَامٍ وَيَقْتَصِرُ عَلَيْهَا وَفَذٍّ وَيَزِيدُ اسْتِحْبَابًا رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْحَثُّ عَلَى التَّحْمِيدِ فَجَاوَبَ الْإِمَامَ مَأْمُومُهُ وَلَا مُجَاوِبَ لِلْفَذِّ فَجَاوَبَ نَفْسَهُ، وَأَمَّا قَوْلُ الْمَأْمُومِ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ فَمُسْتَحَبٌّ كَمَا يَأْتِي وَالْأَصْلُ فِي مَشْرُوعِيَّةِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ «أَنَّ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ تَفُتْهُ صَلَاةٌ خَلْفَ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَاءَ يَوْمًا
ـــــــــــــــــــــــــــــQخَفِيفَةٌ وَكُرِهَ قِرَاءَةُ السُّورَةِ فِي ثَالِثَةِ ثُلَاثِيَّةٍ وَأَخِيرَتَيْ رُبَاعِيَّةٍ (قَوْلُهُ فَلَا سُورَةَ فِيهِ) أَيْ فَلَا يَجُوزُ قِرَاءَةُ سُورَةٍ فِيهِ وَلَا يُكْرَهُ تَخْصِيصُ صَلَاتِهِ بِسُورَةٍ فِيمَا يَظْهَرُ وَفِي كَلَامِ بَعْضٍ مَا يُفِيدُهُ.

(قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُمْ لَمْ يُسَلِّمُوا لِابْنِ عَرَفَةَ) يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَجْلِسَ فِي قِرَاءَتِهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ كَثِيرٌ فِيهَا وَقَوْلُهُ فَلَوْ اسْتَنَدَ تَفْرِيعٌ عَلَى كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ لَا أَنَّهُ مِنْهُ.

(قَوْلُهُ أَقَلُّهُ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ) وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْجَهْرَ جَمِيعَهُ فِي مَحَلِّهِ سُنَّةٌ وَاحِدَةٌ وَكَذَا السِّرُّ وَعَلَيْهِ حَلَّ الْمَوَّاقُ وَمَنْ وَافَقَهُ لَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ سُنَّةٌ، وَلَا يَرِدُ عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَسْجُدُ لِتَرْكِ الْجَهْرِ أَوْ السِّرِّ فِي رَكْعَةٍ مَعَ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ لِتَرْكِ بَعْضِ سُنَّةٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّ تَرْكَ الْبَعْضِ الَّذِي لَهُ بَالٌ كَتَرْكِ الْكُلِّ.
(قَوْلُهُ أَقَلُّهُ حَرَكَةُ لِسَانٍ) هَذَا اصْطِلَاحُ الْفُقَهَاءِ وَإِلَّا فَالتَّحْقِيقُ أَنَّ أَعْلَى السِّرِّ هُوَ أَقْوَاهُ أَيْ غَايَتُهُ وَهُوَ أَنْ يُبَالِغَ فِيهِ جِدًّا وَأَدْنَاهُ عَدَمُ الْمُبَالَغَةِ فِيهِ.
(قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يُحَرِّكْ لِسَانَهُ) أَيْ بِأَنْ قَرَأَ بِقَلْبِهِ.
(قَوْلُهُ أَيْ مَعَ سِرِّ الرَّجُلِ) حَاصِلُهُ إفَادَةُ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ أَمْرَيْنِ: الْأَوَّلُ: سِرُّهَا أَيْ أَعْلَى سِرِّهَا وَجَهْرِهَا، الثَّانِي: سِرُّ الرَّجُلِ إذَا أَعْلَاهُ. فَقَوْلُهُ مَعَ سِرِّ الرَّجُلِ مَعْنَاهُ إذَا أَعْلَاهُ بِدَلِيلِ التَّعْلِيلِ وَانْظُرْ مَا الْحَامِلُ عَلَى هَذَا فَكَانَ يَكْتَفِي بِمُلَاحَظَةِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ أَعْلَى سِرِّهَا وَجَهْرِهَا فَتَدَبَّرْ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ صَوْتَهَا عَوْرَةٌ) الْمُعْتَمَدُ كَمَا أَفَادَهُ النَّاصِرُ اللَّقَانِيِّ فِي فَتَاوِيهِ وَشَيْخُنَا الصَّغِيرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ وَنَصُّ النَّاصِرِ رَفْعُ صَوْتِ الْمَرْأَةِ الَّتِي يُخْشَى التَّلَذُّذُ بِسَمَاعِهِ لَا يَجُوزُ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ لَا فِي الْجِنَازَةِ وَلَا فِي الْأَعْرَاسِ سَوَاءٌ كَانَ زَغَارِيتَ أَمْ لَا وَرُؤْيَةُ مَنْ يُخْشَى مِنْهَا الْفِتْنَةُ حَرَامٌ، وَأَمَّا الْقَوَاعِدُ مِنْ النِّسَاءِ فَلَا يَحْرُمُ سَمَاعُ أَصْوَاتِهِنَّ وَأَمَّا مُصَافَحَةُ الْمَرْأَةِ لِغَيْرِ الْمَحْرَمِ فَلَا يَجُوزُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(قَوْلُهُ فَحَمْلُهُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مُتَعَيِّنٌ) قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَاَلَّذِي نَقْطَعُ بِهِ أَنَّ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ كُلَّ تَكْبِيرَةٍ سُنَّةٌ وَلِذَا أَمَرَ بِالسُّجُودِ فِي الِاثْنَتَيْنِ وَلَوْ كَانَ مَجْمُوعُ التَّكْبِيرِ هُوَ السُّنَّةُ لَمْ تَأْمُرْهُ بِالسُّجُودِ وَقَوْلُهُ مُتَعَيِّنٌ قَدْ يُقَالُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ.

(قَوْلُهُ وَكُلُّ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ مَعْطُوفٌ عَلَى تَكْبِيرَةٍ فَهُوَ مَاشٍ عَلَى أَنَّ كُلَّ تَسْمِيعَةٍ سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْمُقَابِلِ وَهُوَ أَنَّ الْمَجْمُوعَ سُنَّةٌ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْحَثُّ عَلَى التَّحْمِيدِ) أَيْ إنَّ الْمُرَادَ بِهِ التَّرْغِيبُ فِي التَّحْمِيدِ وَالْحَثُّ عَلَيْهِ وَكَأَنَّهُ يَحُضُّ نَفْسَهُ عَلَى الْحَمْدِ إنْ كَانَ مُنْفَرِدًا أَوْ وَمَنْ خَلْفَهُ مِنْ الْمَأْمُومِينَ إنْ كَانَ إمَامًا وَإِلَيْهِ مَالَ الْحُذَّاقُ. كَذَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْأَشْيَاخِ إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَأَقُولُ إنَّ حَقِيقَةَ اللَّفْظِ سَمِعَ اللَّهُ مَنْ حَمِدَهُ فَتَكُونُ اللَّامُ زَائِدَةً وَهَذَا الْمَعْنَى لَيْسَ بِمُرَادٍ قَطْعًا فَلْيَكُنْ الْمُرَادُ مِنْ السَّمَاعِ الِاسْتِجَابَةَ مِنْ اسْتِعْمَالِ اسْمِ السَّبَبِ فِي الْمُسَبِّبِ أَيْ: إنَّ اللَّهَ اسْتَجَابَ دُعَاءَ مَنْ حَمِدَهُ؛ لِأَنَّ الْحَامِدَ طَالِبٌ بِحَمْدِهِ الْمَزِيدَ مِنْ رَبِّهِ، ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْمَعْنَى مَقْصُودَ الْإِخْبَارِ بِهِ فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ خَبَرِيَّةً لَفْظًا وَمَعْنًى، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ طَلَبَ التَّحْمِيدِ؛ لِأَنَّهُ يَتَسَبَّبُ عَنْ اسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ فَهُوَ مَجَازٌ عَلَى مَجَازٍ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَعْنَى اللَّهُمَّ اسْمَعْ لِمَنْ

الصفحة 275