كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 1)

فَيَحْرُمُ مُرُورُهُ إنْ كَانَ لَهُ مَنْدُوحَةٌ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي بِغَيْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مُطْلَقًا وَبِهِ إنْ صَلَّى لِسُتْرَةٍ فَإِنْ صَلَّى لِغَيْرِ سُتْرَةٍ لَمْ يَحْرُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَإِنْ كَانَ لِلْمَارِّ مَنْدُوحَةٌ فَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ وَأَثِمَ مَارًّا إلَخْ أَيْ مَارٌّ غَيْرُ مُصَلٍّ وَلَا طَائِفٍ، وَهَذَا مَا لَمْ يُمْكِنْ الْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيْ مُصَلٍّ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مِنْ غَيْرِ سُتْرَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ الْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ كَانَ لِلْمَارِّ مَنْدُوحَةٌ.

(ص) وَإِنْصَاتُ مُقْتَدٍ (ش) يُرِيدُ أَنَّ الْإِنْصَاتَ لِلْإِمَامِ فِيمَا يُجْهَرُ فِيهِ سُنَّةٌ فِي الْفَاتِحَةِ وَغَيْرِهَا وَيُكْرَهُ قِرَاءَتُهُ سَمِعَ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ أَمْ لَا عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ وُجُوبِ إنْصَاتِ مَنْ لَا يَسْمَعُ الْخُطْبَةَ قَالَهُ الْبُرْزُلِيُّ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (وَلَوْ سَكَتَ إمَامُهُ) بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْفَاتِحَةِ أَوْ بَعْدَهُمَا لِقَوْلِ سَنَدٍ الْمَعْرُوفُ إذَا سَكَتَ إمَامُهُ لَا يَقْرَأُ وَقِيلَ يَقْرَأُ (ص) وَنُدِبَتْ إنْ أَسَرَّ (ش) أَيْ وَنُدِبَتْ الْقِرَاءَةُ مِنْ الْفَاتِحَةِ أَوْ السُّورَةِ فِي مَحَلِّهَا الْمَفْهُومَةُ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْصَاتُ مُقْتَدٍ إنْ أَسَرَّ الْإِمَامُ أَيْ وَإِنْ كَانَتْ صَلَاتُهُ سَرِيَّةً وَلَوْ قَالَ وَنُدِبَتْ فِي السِّرِّ كَانَ أَقْعَدَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَجْهَرُ فِي السَّرِيَّةِ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا مَثَلًا.
(ص) كَرَفْعِ يَدَيْهِ مَعَ إحْرَامِهِ حِينَ شُرُوعِهِ (ش) تَشْبِيهٌ فِي النَّدْبِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يُنْدَبُ لِلْمُصَلِّي رَفْعُ يَدَيْهِ عِنْدَ إحْرَامِهِ حِينَ يَشْرَعُ فِي التَّكْبِيرِ يُحَاذِي بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ قَائِمَتَيْنِ رُءُوسُ أَصَابِعِهِمَا مِمَّا يَلِي السَّمَاءَ عَلَى صُورَةِ النَّابِذِ لِلشَّيْءِ لَا عَلَى صُورَةِ الرَّاهِبِ بِأَنْ يَجْعَلَ ظُهُورَهُمَا مِمَّا يَلِي السَّمَاءَ وَبُطُونَهُمَا مِمَّا يَلِي الْأَرْضَ وَلَا الرَّاغِبِ بِأَنْ تَكُونَ الْيَدَانِ قَائِمَتَيْنِ يُحَاذِي كَفَّاهُ مَنْكِبَيْهِ وَأَصَابِعُهُ أُذُنَيْهِ وَجَعَلَ فِي شَرْحِهِ كَوْنَ الرَّفْعِ عَلَى صُورَةِ الرَّاهِبِ هُوَ الْمَذْهَبُ وَإِنَّمَا كَانَ الرَّفْعُ حِينَ الشُّرُوعِ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ لِئَلَّا تَفُوتَ فَائِدَةُ الرَّفْعِ وَحِكْمَتُهُ وَهُوَ أَنَّ التَّكْبِيرَ شُرِعَ فِي الصَّلَاةِ مَقْرُونًا بِحَرَكَاتِ أَرْكَانِهَا وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ مَعَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ رُكُوعٌ شُرِعَ مَعَهَا حَرَكَةُ الْيَدَيْنِ، وَقِيلَ؛ لِأَنَّ الْمُنَافِقِينَ كَانَتْ تَحْمِلُ الْأَصْنَامَ تَحْتَ آبَاطِهَا فَأُمِرَ الْمُصَلِّي بِالرَّفْعِ لِلْيَدَيْنِ فَهُوَ مِمَّا زَالَ سَبَبُهُ وَبَقِيَ حُكْمُهُ كَالرَّمَلِ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الْمُصَلِّيَ صَلَّى لِسُتْرَةٍ أَيْ وَأَمَّا بِغَيْرِ سُتْرَةٍ فَيَجُوزُ وَلَوْ كَانَ لِلطَّائِفِ مَنْدُوحَةٌ وَلَا حُرْمَةَ عَلَى ذَلِكَ الْمُصَلِّي وَصُوَرُهُ أَرْبَعٌ، وَحَاصِلُهَا أَنَّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ مَنْدُوحَةٌ فَيَجُوزُ مُطْلَقًا صَلَّى لِسُتْرَةٍ أَمْ لَا، وَأَمَّا إذَا كَانَ لَهُ مَنْدُوحَةٌ فَيُكْرَهُ إذَا صَلَّى لِسُتْرَةٍ، وَأَمَّا إذَا صَلَّى لِغَيْرِ سُتْرَةٍ فَيَجُوزُ.
(قَوْلُهُ لَمْ يَحْرُمْ الْمُرُورُ) بَلْ يَجُوزُ الْمُرُورُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْحُرْمَةِ الْجَوَازُ مَعَ أَنَّهُ الْمَقْصُودُ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْمُصَلِّي؛ لِأَنَّهُ صَلَّى لِغَيْرِ سُتْرَةٍ وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ الْمُصَلِّيَ إذَا صَلَّى لِغَيْرِ سُتْرَةٍ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَلَا يَحْرُمُ الْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيْهِ بَلْ يَجُوزُ كَانَ الْمَارُّ طَائِفًا أَوْ غَيْرَهُ وَلَيْسَ لِلْمُصَلِّي الدَّرْءُ فَلَمْ يَحْرُمْ عَلَى الْمُصَلِّي إنْ كَانَ الْمَارُّ غَيْرَ طَائِفٍ لَا إنْ كَانَ طَائِفًا وَهَذَا كُلُّهُ حَيْثُ كَانَ لِغَيْرِ سُتْرَةٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الطَّائِفِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْمَارِّينَ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي إجَازَةِ الصَّلَاةِ إلَيْهِمْ أَنَّ الطَّائِفِينَ مُصَلُّونَ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ وَإِنْ جَازَ فِيهِ الْكَلَامُ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى طَهَارَةٍ وَأَمَّا إذَا صَلَّى لِسُتْرَةٍ أَيْ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَيَحْرُمُ عَلَى غَيْرِ الطَّائِفِينَ وَعَلَى غَيْرِ الْمُصَلِّينَ الْمُرُورُ وَيُكْرَهُ لِلطَّائِفِ إنْ كَانَ لَهُ مَنْدُوحَةٌ وَيَجُوزُ لِلْمُصَلِّي فَإِنْ قُلْت فِي صُورَةِ كَرَاهَةِ مُرُورِ الطَّائِفِ هَلْ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَدْرَأَهُ أَوْ لَا قُلْت الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ يَدْرَؤُهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصُّوَرَ اثْنَا عَشَرَ: أَرْبَعَةٌ فِي الْمَارِّ الطَّائِفِ، وَأَرْبَعَةٌ فِي الْمَارِّ الْمُصَلِّي، وَأَرْبَعَةٌ فِي الْمَارِّ غَيْرِ الْمُصَلِّي وَالطَّائِفِ وَأَنَّهُ مَتَى كَانَ لَا مَنْدُوحَةَ لَهُ فَيَجُوزُ مُطْلَقًا وَكَذَا لَهُ مَنْدُوحَةٌ وَكَانَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَصَلَّى لِغَيْرِ سُتْرَةٍ وَإِلَّا بِأَنْ لَمْ يَكُنْ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَصَلَّى فَيَحْرُمُ مُطْلَقًا كَمَا إذَا كَانَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَصَلَّى لِسُتْرَةٍ.
(قَوْلُهُ وَهَذَا) الْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَأَثِمَ مَارٌّ إلَخْ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيْ مُصَلٍّ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيْ مُصَلٍّ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْحَالُ أَنَّهُ صَلَّى لِغَيْرِ سُتْرَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ الْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيْهِ كَانَ الْمَارُّ مُصَلِّيًا أَوْ طَائِفًا أَوْ لَا فَتَدَبَّرْ.
(تَنْبِيهٌ) : يُنْدَبُ الدُّنُوُّ مِنْ السُّتْرَةِ قِيلَ شِبْرٌ وَقِيلَ ذِرَاعٌ وَقِيلَ قَدْرُ مَمَرِّ الشَّاةِ وَفِي كَوْنِ حَرِيمِ الْمُصَلِّي بِغَيْرِهَا قَدْرُ رَمْيَةِ حَجَرٍ أَوْ سَهْمٍ أَوْ رُمْحٍ أَوْ قَدْرُ مُضَارَبَةِ السَّيْفِ أَوْ قَدْرُ رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ وَهُوَ الْأَوْفَقُ بِيُسْرِ الدِّينِ أَقْوَالٌ وَيَدْفَعُ الْمُصَلِّي الْمَارَّ دَفْعًا خَفِيفًا لَا يَشْغَلُهُ، فَإِنْ كَثُرَ أَبْطَلَ وَلَوْ دَفَعَهُ فَسَقَطَ مِنْهُ دِينَارٌ أَوْ انْخَرَقَ ثَوْبُهُ ضَمِنَ وَلَوْ دَفْعًا مَأْذُونًا فِيهِ قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَلَوْ مَاتَ كَانَتْ دِيَتُهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ عِنْدَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ قَالَهُ الْأَقْفَهْسِيُّ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَأْذُونًا فِيهِ فِي الْجُمْلَةِ كَانَ كَالْخَطَإِ فَلِذَلِكَ لَمْ يُقْتَلْ فِيهِ وَكَانَتْ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ.

(قَوْلُهُ إنْصَاتُ مُقْتَدٍ) لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْإِنْصَاتِ السُّكُوتُ مَعَ الِاسْتِمَاعِ؛ لِأَنَّ فِي الْمُبَالَغَةِ حِينَئِذٍ شَيْئًا إذْ لَا اسْتِمَاعَ مَعَ سُكُوتِ الْإِمَامِ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ السُّكُوتُ وَحِينَئِذٍ فَالْمُبَالَغَةُ ظَاهِرَةٌ وَيَنْدَرِجُ مَنْ لَمْ يَسْمَعْ قَالَهُ الشَّيْخُ أَحْمَدُ.
(قَوْلُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ) أَيْ بِنَاءً عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ وُجُوبِ إنْصَاتٍ إلَخْ أَيْ وَأَمَّا عَلَى مُقَابِلِهِ فَيَقْرَأُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي أَلْغَازِهِ يَقْرَأُ إذَا كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا يُسْمِعُ الْإِمَامَ (قَوْلُهُ الْقِرَاءَةُ مِنْ الْفَاتِحَةِ) أَيْ الْقِرَاءَةُ لِلْفَاتِحَةِ أَوْ إنَّ مِنْ بَيَانِيَّةٌ لِمَحْذُوفٍ وَالتَّقْدِيرُ الْقِرَاءَةُ لِشَيْءٍ مِنْ الْفَاتِحَةِ.
(قَوْلُهُ يُحَاذِي بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ قَائِمَتَيْنِ) أَيْ بِحَيْثُ يَكُونُ بُطُونُهُمَا لِخَلْفٍ وَظُهُورُهُمَا لِأَمَامٍ كَذَا قَرَّرَ شَيْخُنَا الصَّغِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَيْ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَضِيَّةِ الْعَقْلِ؛ لِأَنَّ الشَّخْصَ إذَا نَبَذَ شَيْئًا شَأْنُهُ أَنْ يَكُونَ هَكَذَا (قَوْلُهُ يُحَاذِي كَفَّاهُ) الْمُتَبَادَرُ بُطُونُ كَفَّيْهِ فَيَرْجِعُ لِصُورَةِ النَّابِذِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَإِنْ كَانَتْ الْعِبَارَةُ تَحْتَمِلُ لِلْبَطْنِ وَالظَّهْرِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَالْأَحْسَنُ مَا فِي عِبَارَةِ شب وَنَصُّهُ وَقِيلَ بِرَفْعِهِمَا مَبْسُوطَتَيْنِ وَبُطُونُهُمَا مِمَّا يَلِي السَّمَاءَ وَظُهُورُهُمَا مِمَّا يَلِي الْأَرْضَ وَهَذِهِ صِفَةُ الرَّاغِبِ وَقَدْ فَسَّرَ بِهَا قَوْله تَعَالَى {وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} [الأنبياء: 90] وَمِثْلُهُ فِي عب.
(قَوْلُهُ وَحِكْمَتُهُ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ (قَوْلُهُ مَعَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ رُكُوعٌ) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ حَرَكَةُ رُكْنٍ (قَوْلُهُ كَالرَّمَلِ فِي الْحَجِّ) فَإِنَّ حِكْمَتَهُ قَوْلُ الْمُشْرِكِينَ إنَّ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ فَأُمِرُوا بِالرَّمَلِ تَكْذِيبًا لَهُمْ

الصفحة 280