كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 1)

وَخَصَّ السُّجُودَ وَإِنْ كَانَ دَاخِلًا فِي عُمُومِ الصَّلَاةِ لِشَرَفِهِ؛ إذْ أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، وَمَعْنَى نَحْفِدُ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَفَتْحِهَا أَيْ نَخْدُمُ وَنُبَادِرُ إلَى طَاعَتِك وَعِبَادَتِك وَمِنْهُ سُمِّيَ الْخَدَمُ حَفَدَةً لِمُسَارَعَتِهِمْ وَلِمُثَابَرَتِهِمْ عَلَى الْخِدْمَةِ، نَرْجُو رَحْمَتَك؛ لِأَنَّ أَعْمَالَنَا لَا تَفِي بِشُكْرِ نِعْمَتِك فَمَا لَنَا مَلْجَأٌ إلَّا رَجَاءُ رَحْمَتِك، وَنَخَافُ عَذَابَك أَيْ: نَحْذَرُ عِقَابَك فَنَحْنُ بَيْنَ الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ؛ لِأَنَّ شَأْنَ الْقَادِرِ أَنْ يُرْجَى فَضْلُهُ وَيُخَافَ عَذَابُهُ، الْجِدَّ بِكَسْرِ الْجِيمِ عَلَى الْمَشْهُورِ الْحَقُّ ضِدُّ الْهَزْلِ أَوْ الثَّابِتُ أَوْ الدَّائِمُ، إنَّ عَذَابَك بِالْكَافِرِينَ مُلْحِقٌ بِكَسْرِ الْحَاءِ أَيْ لَاحِقٌ بِهِمْ أَوْ مُلْحِقٌ بِهِمْ الْهَوَانَ وَبِفَتْحِهَا اسْمُ مَفْعُولٍ وَالْفَاعِلُ هُوَ اللَّهُ أَوْ الْمَلَائِكَةُ.
وَزَادَ فِي التَّلْقِينِ بَعْدَ نَحْفِدُ " اللَّهُمَّ اهْدِنَا فِيمَنْ هَدَيْت، وَعَافَنَا فِيمَنْ عَافَيْت، وَقِنَا شَرَّ مَا قَضَيْت إنَّك تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْك، إنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْت، وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْت، تَبَارَكْت رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ.

(ص) وَتَكْبِيرُهُ فِي الشُّرُوعِ إلَّا فِي قِيَامِهِ مِنْ اثْنَتَيْنِ فَلِاسْتِقْلَالِهِ (ش) لَمَّا مَرَّ أَنَّ كُلَّ تَكْبِيرَةٍ وَتَحْمِيدَةٍ سُنَّةٌ بَيْنَ مَحَلِّ التَّكْبِيرِ الْأُولَى بِهِ وَقِيسَ عَلَيْهِ التَّحْمِيدُ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِكُلِّ مُصَلٍّ أَنْ يَكُونَ تَكْبِيرُهُ وَتَحْمِيدُهُ وَاقِعًا فِي حَالِ الشُّرُوعِ فِي الْأَرْكَانِ مِنْ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَقِيَامٍ مُعَمِّرًا بِهِ الرُّكْنَ مِنْ أَوَّلِهِ لِآخَرِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قِيَامُهُ لِثَالِثَةٍ إمَامًا أَوْ غَيْرَهُ فَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُكَبِّرَ حَتَّى يَسْتَقِلَّ قَائِمًا لِلْعَمَلِ أَوْ؛ لِأَنَّهُ كَمُفْتَتِحٍ صَلَاةً وَلِذَا قِيلَ بِفَرْضِ الصَّلَاةِ رَكْعَتَيْنِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَخَصَّ السُّجُودَ) أَقُولُ أَيْ وَخَصَّ الصَّلَاةَ وَإِنْ دَخَلَتْ فِي الْعِبَادَةِ لِشَرَفِهَا (قَوْلُهُ: إذْ أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ) أَيْ: إذْ أَقْرَبُ أَحْوَالِ الْعَبْدِ مِنْ رَبِّهِ كَائِنٌ فِي حَالِ كَوْنِهِ سَاجِدًا (فَإِنْ قُلْت) إنَّ أَقْرَبَ الْأَحْوَالِ هُوَ السُّجُودُ وَاللَّفْظُ يَقْضِي بِخِلَافِهِ.
(قُلْت) لَا وَذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ بِحَالِ السُّجُودِ زَمَنُ السُّجُودِ وَالْحَاصِلُ فِي زَمَنِ السُّجُودِ هُوَ السُّجُودُ وَكَأَنَّهُ قَالَ أَقْرَبُ أَحْوَالِ الْعَبْدِ مِنْ رَبِّهِ سُجُودُهُ وَالسِّرُّ فِي الْعُدُولِ عَنْ ذَلِكَ إلَى مَا ذُكِرَ لِتَذْهَبَ النَّفْسُ كُلَّ مَذْهَبٍ مُمْكِنٍ حَتَّى تَقَعَ عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى فَيَتَمَكَّنُ فِي النَّفْسِ شِدَّةَ تَمَكُّنٍ.
(قَوْلُهُ نَخْدُمُ وَنُبَادِرُ) عَطْفُ الْمُبَادَرَةِ عَطْفُ تَفْسِيرٍ أَيْ إنَّ الْمُرَادَ بِالْخِدْمَةِ الْمُبَادَرَةُ لِطَاعَتِك وَظَهَرَ مِنْ الشَّارِحِ أَنَّ عَطَفَ نَحْفِدُ عَلَى نَسْعَى مُرَادِفٌ.
(قَوْلُهُ وَلِمُثَابَرَتِهِمْ عَلَى الْخِدْمَةِ) أَيْ لِمُدَاوَمَتِهِمْ عَلَى الْخِدْمَةِ وَهُوَ مِنْ عَطْفِ أَحَدِ الْمُتَلَازِمِينَ عَلَى الْآخَرِ.
(قَوْلُهُ نَرْجُو رَحْمَتَك) أَيْ إحْسَانَك الَّذِي لَيْسَ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلٍ (قَوْلُهُ نِعْمَتِك) أَيْ أَنْعَامِك (قَوْلُهُ مَلْجَأٌ) أَيْ مَحَلٌّ يُلْتَجَأُ إلَيْهِ (قَوْلُهُ فَنَحْنُ بَيْنَ الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ) أَيْ مُتَرَدِّدُونَ بَيْنَهُمَا أَيْ تَارَةً نَرْجُو وَتَارَةً نَخَافُ فَنَنْتَقِلُ مِنْ هَذَا إلَى هَذَا وَبِالْعَكْسِ فَلَا نُلَازِمُ وَاحِدًا مِنْهُمَا، وَفِيهِ إشَارَةٌ لِمَا قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُكَلَّفُ مُتَرَدِّدًا بَيْنَهُمَا عَلَى السَّوَاءِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَنْبَغِي تَقْدِيمُ الْخَوْفِ فِي حَالِ الصِّحَّةِ وَالْآخَرِ فِي حَالِ الْمَرَضِ وَهُوَ الْأَوْلَى.
(قَوْلُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ) وَقِيلَ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ وَعَبَّرَ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ وَالْكَسْرُ أَشْهُرُ اهـ. فَلَعَلَّ مُرَادَ الشَّارِحِ بِقَوْلِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ أَنَّهُ أَشْهُرُ فَلَا يُنَافِي صِحَّةَ الْفَتْحِ.
(قَوْلُهُ ضِدُّ الْهَزْلِ) فَيَكُونُ مَعْنَى الْحَقِّ الْمُتَحَقِّقُ أَيْ الثَّابِتُ فِي الْوَاقِعِ وَنَفْسُ الْأَمْرِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ أَوْ الثَّابِتُ هُوَ بِمَعْنَاهُ.
(قَوْلُهُ أَيْ لَاحِقٌ بِهِمْ) فَيَكُونُ مُلْحَقٌ مِنْ أَلْحَقَ بِمَعْنَى لَحِقَ اللَّازِمُ أَيْ إنَّ الْعِقَابَ يَطْلُبُ الْكُفَّارَ بِنَفْسِهِ لَا بِوَاسِطَةٍ تُوصِلُهُ إلَيْهِمْ فَهُوَ مُبَالَغَةٌ فِي ارْتِبَاطِ الْعَذَابِ بِهِمْ، وَقَوْلُهُ أَوْ مُلْحِقٌ بِهِمْ الْهَوَانَ فَيَكُونُ مِنْ أَلْحَقَ الْمُتَعَدِّيَ وَكَذَا جَعْلُهُ اسْمَ مَفْعُولٍ.
(قَوْلُهُ وَزَادَ فِي التَّلْقِينِ) كِتَابٌ فِي الْفِقْهِ صَغِيرٌ لِعَبْدِ الْوَهَّابِ بَعْدَ نَحْفِدُ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَقُولُ نَرْجُو رَحْمَتَك إلَخْ (قَوْلُهُ اهْدِنَا إلَخْ) أَيْ وَصِلْنَا لِلْمَطْلُوبِ مَعَ مَنْ هَدَيْت فَفِي بِمَعْنَى مَعَ وَكَذَا مَا بَعْدُ وَآثَرَ التَّعْبِيرَ بِفِي إشَارَةً إلَى قُوَّةِ ارْتِبَاطِ هِدَايَتِهِ بِهِدَايَتِهِمْ الَّتِي تُفِيدُهُ الظَّرْفِيَّةُ أَوْ إنَّ الْمُرَادَ اهْدِنَا حَالَةَ كَوْنِنَا دَاخِلِينَ فِي جُمْلَةِ مَنْ هَدَيْت وَهُوَ أَبْلَغُ، وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ وَعَافِنَا وَحَاصِلُ ذَلِكَ طَلَبُ الْعَافِيَةِ فِي الْآخِرَةِ وَفِي الدُّنْيَا وَقَدَّمَ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّهُ أَهَمُّ.
(قَوْلُهُ وَقِنَا شَرَّ مَا قَضَيْت) مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ يُقَدِّرُ الْمَكْرُوهَ بِعَدَمِ دُعَاءِ الْعَبِيدِ الْمُسْتَجَابِ فَإِذَا اسْتَجَابَ دُعَاءَهُمْ لَمْ يَقَعْ الْقَضَاءُ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ وَلَيْسَ هُوَ رَدُّ الْقَضَاءِ الْمُبْرَمِ أَوْ يُرَادُ بِهِ مَا يَشْمَلُ الْقَضَاءَ الْمُبْرَمَ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ الدُّعَاءِ التَّخْفِيفُ فِيهِ وَمِنْهُ صِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ فِي الْعُمْرَ وَالرِّزْقِ وَفِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إلَخْ إشَارَةً إلَى أَنَّ بَعْضَهُ غَيْرُ كَافٍ فِي الْخُرُوجِ عَنْ الطَّلَبِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي ك.
(قَوْلُهُ إنَّك تَقْضِي إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ التَّعْلِيلَ لَيْسَ مَقْصُودًا بَلْ الْقَصْدُ وَصْفُ الْمَوْلَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ التَّأْكِيدِ وَالتَّحْقِيقِ لِأَجْلِ أَنْ يَنْقَطِعَ الْعَبْدُ عَمَّا سِوَاهُ وَيَلْتَجِئَ إلَيْهِ الْتِجَاءً غَيْرَ مَشُوبٍ بِغَيْرِهِ (قَوْلُهُ تَقْضِي) أَيْ تَحْكُمُ عَلَى مَنْ تُرِيدُهُ مِنْ عِبَادِك بِمَا تُرِيدُهُ (قَوْلُهُ وَلَا يُقْضَى عَلَيْك) أَيْ غَيْرُك لَا يُمْكِنُ أَنْ يَقْضِيَ عَلَيْك بِأَمْرٍ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ وَالْعَجْزُ لَازِمٌ لَهُ.
(قَوْلُهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْت) أَيْ لَا يُهَانُ مَنْ قُمْت بِأَمْرِهِ وَتَدْبِيرِهِ (قَوْلُهُ وَلَا يَعِزُّ) أَيْ لَا يَحْصُلُ لَهُ الْعِزُّ أَيْ الْقُوَّةُ وَالْغَلَبَةُ (قَوْلُهُ عَادَيْت) أَيْ لَمْ تَقُمْ بِأَمْرِهِ وَتَدْبِيرِهِ (قَوْلُهُ مَنْ عَادَيْت) أَيْ بِخُذْلَانِكَ (قَوْلُهُ تَبَارَكْت) أَيْ تَعَاظَمْت بِالصِّفَاتِ الثُّبُوتِيَّةِ وَالسَّلْبِيَّةِ (قَوْلُهُ وَتَعَالَيْتَ) أَيْ تَنَزَّهْت عَنْ كُلِّ مَا لَا يَلِيقُ بِك فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ.
(تَتِمَّةٌ) لَوْ صَلَّى مَالِكِيٌّ خَلْفَ شَافِعِيٍّ يَجْهَرُ بِالْقُنُوتِ قَنَتَ مَعَهُ سِرًّا فِي نَفْسِهِ.

(قَوْلُهُ فَلِاسْتِقْلَالِهِ) فَلَوْ كَبَّرَ قَبْلَ اسْتِقْلَالِهِ فَفِي إعَادَتِهِ بَعْدَهُ قَوْلَانِ وَالْأَفْضَلُ لِلْمَأْمُومِ تَأْخِيرُ قِيَامِهِ إلَى انْتِصَابِ إمَامِهِ وَقَوْلُهُ مِنْ اثْنَتَيْنِ وَلَوْ بِالنِّسْبَةِ لِلْإِمَامِ فَيَشْتَمِلُ مَا لَوْ حَصَّلَ الْمَأْمُومُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ.
(تَنْبِيهٌ) : لَوْ كَانَ الْإِمَامُ شَافِعِيًّا يُكَبِّرُ حَالَ الْقِيَامِ فَالظَّاهِرُ صَبْرُ الْمَأْمُومِ لِتَكْبِيرِهِ حَتَّى يَسْتَقِلَّ بَعْدَهُ قَائِمًا (قَوْلُهُ وَتَحْمِيدُهُ) أَيْ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ (قَوْلُهُ لِيَعْمُرَ بِهِ الرُّكْنُ) ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الصَّلَاةِ كَعِظَامٍ وَالذِّكْرُ كَمُخِّهَا وَلَا عِبْرَةَ بِعَظْمٍ لَيْسَ فِيهِ مُخٌّ (قَوْلُهُ إمَامًا أَوْ غَيْرَهُ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ بِمَا إذَا أَدْرَكَ مَأْمُومٌ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ فَيَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا قَامَ لِثَالِثَةٍ يُكَبِّرُ بَعْدَ أَنْ يَسْتَقِلَّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَالْمُرَادُ لِثَالِثَةٍ بِالنِّسْبَةِ لِلْإِمَامِ كَانَتْ لِلْمَأْمُومِ ثَانِيَةً أَوْ ثَالِثَةً فَتَأَمَّلْ وَقَدْ أَشَرْنَا إلَيْهِ.
(قَوْلُهُ لِلْعَمَلِ) أَيْ عَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ

الصفحة 284