كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 1)

وَبَعْدَ سَلَامِ إمَامٍ وَتَشَهُّدٍ أَوَّلٍ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يُكْرَهُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الدُّعَاءُ كَمَا تُكْرَهُ الْبَسْمَلَةُ وَالتَّعَوُّذُ فِي الْفَرْضِ لَكِنْ قَوْلُهُ وَأَثْنَاءَهَا وَأَثْنَاءَ سُورَةٍ هُوَ فِي الْفَرْضِ، وَأَمَّا فِي النَّفْلِ فَجَائِزٌ نَصَّ عَلَيْهِ سَنَدٌ وَيُفِيدُهُ كَلَامُ التَّوْضِيحِ والتِّلِمْسَانِيِّ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ قَالَهُ الْحَطَّابُ وَمَا عَدَا هَذِهِ الْمَوَاضِعَ الثَّمَانِيَةَ لَا يُكْرَهُ الدُّعَاءُ فِيهِ فَلَا يُكْرَهُ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ، وَقَبْلَ الرُّكُوعِ وَلَا بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ وَقَبْلَ السُّجُودِ وَلَا فِي السُّجُودِ وَلَا بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ.

(ص) لَا بَيْنَ سَجْدَتَيْهِ (ش) أَيْ فَلَا يُكْرَهُ الدُّعَاءُ بَيْنَ سَجْدَتَيْهِ وَالْحُكْمُ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ كَاسْتِحْبَابِهِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ، وَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ: لَا بِغَيْرِهَا لِيَشْمَلَ الدُّعَاءَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَبَعْدَ الْقِرَاءَةِ وَقَبْلَ الرُّكُوعِ وَفِي حَالِ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ وَفِي السُّجُودِ وَفِي الرَّفْعِ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ لَكَانَ أَحْسَنَ أَيْ: إنَّ الدُّعَاءَ لَا يُكْرَهُ فِي وَاحِدٍ مِمَّا ذُكِرَ لَكِنْ مِنْهُ مَا هُوَ جَائِزٌ وَمِنْهُ مَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ.
(ص) وَدَعَا بِمَا أَحَبَّ وَإِنْ لِدُنْيَا (ش) أَيْ حَيْثُ جَازَ الدُّعَاءُ دَعَا الشَّخْصُ الْمُصَلِّي بِمَا أَحَبَّ مِمَّا هُوَ مُمْكِنٌ مِنْ أَمْرِ أُخْرَاهُ أَوْ دُنْيَاهُ كَتَوْسِعَةِ رِزْقٍ وَزَوْجَةٍ حَسَنَةٍ وَقَوْلُنَا مِمَّا هُوَ مُمْكِنٌ احْتِرَازًا مِنْ الْمُمْتَنِعِ شَرْعًا أَوْ عَادَةً فَإِنَّهُ يَحْرُمُ الدُّعَاءُ بِذَلِكَ.
(ص) وَسَمَّى مَنْ أَحَبَّ (ش) أَيْ وَلِلْمُصَلِّي أَنْ يُسَمِّيَ مَنْ أَحَبَّ الدُّعَاءَ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ فَقَدْ «دَعَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَسَمَّاهُ وَقَالَ بَعْدَ رَفْعِهِ مِنْ الرُّكُوعِ غِفَارٌ غَفَرَ اللَّهُ لَهَا وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللَّهُ وَدَعَا عَلَى آخَرِينَ فَقَالَ وَعُصَيَّةُ عَصَتْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ اللَّهُمَّ الْعَنْ بَنِي لِحْيَانَ وَالْعَنْ رِعْلًا وَذَكْوَانَ ثُمَّ سَجَدَ» كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ.

(ص) وَلَوْ قَالَ يَا فُلَانُ فَعَلَ اللَّهُ بِك كَذَا لَمْ تَبْطُلْ (ش) هَذَا إذَا قَالَهُ لِغَائِبٍ أَوْ حَاضِرٍ لَمْ يَقْصِدْ مُكَالَمَتَهُ وَإِلَّا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ كَمَا فِي شَرْحِ الشَّيْخِ سَالِمٍ.

(ص) وَكُرِهَ سُجُودٌ عَلَى ثَوْبٍ لَا حَصِيرٍ وَتَرْكُهُ أَحْسَنُ (ش) أَيْ وَكُرِهَ لِغَيْرِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ خُشُونَةِ أَرْضٍ لِكُلِّ مُصَلٍّ وَلَوْ امْرَأَةً السُّجُودُ بِالْجَبْهَةِ وَالْكَفَّانِ تَبَعٌ لَهَا عَلَى ثَوْبٍ مُنْفَصِلٍ عَنْهُ مِنْ قُطْنٍ وَنَحْوِهِ مِنْ كُلِّ مَا فِيهِ رَفَاهِيَةٌ مِمَّا تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ كَحُصُرِ السَّامَّانِ وَنَحْوِهَا بِخِلَافِ السُّجُودِ عَلَى الْحَصِيرِ الْحَلْفَاءِ أَوْ الْأَدِيمِ وَنَحْوِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَبْلَ الرُّكُوعِ وَبَعْدَ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ وَلَعَلَّهُ أَخَذَهُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ.
(قَوْلُهُ وَبَعْدَ سَلَامِ إمَامٍ) وَلَوْ بَقِيَ فِي مَكَانِهِ بِخِلَافِ التَّشَهُّدِ؛ لِأَنَّهُ يَفْعَلُهُ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ إنْ بَقِيَ فِي مَكَانِهِ أَوْ تَحَوَّلَ تَحَوُّلًا يَسِيرًا (قَوْلُهُ فَلَا يُكْرَهُ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ وَقَبْلَ الرُّكُوعِ) أَيْ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَبَعْدَ فَاتِحَةٍ أَيْ وَقَبْلَ سُورَةٍ بِدَلِيلِ مَا هُنَا وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ.

(قَوْلُهُ وَفِي الرَّفْعِ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ) لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً فِي الْحَطَّابِ وَلَعَلَّ عَدَمَ ذِكْرِهَا لِكَوْنِ الْمَحَلِّ مَشْغُولًا بِالتَّكْبِيرِ مَعَ التَّشَهُّدِ إذَا كَانَ يَعْقُبُ السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ تَشَهُّدٌ وَبِالتَّكْبِيرِ إذَا كَانَ يَعْقُبُهَا قِيَامٌ مُعَمِّرًا بِهِ الرُّكْنَ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ إلَّا أَنَّ كَلَامَ الْحَطَّابِ رُبَّمَا يُفِيدُهُ فَإِنَّهُ قَالَ وَلَا بَأْسَ بِالدُّعَاءِ فِي أَرْكَانِ الصَّلَاةِ كُلِّهَا سِوَى الرُّكُوعِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ الدُّعَاءُ فِيهِ.
(قَوْلُهُ لَكِنْ مِنْهُ مَا هُوَ جَائِزٌ) وَهُوَ مَا قَبْلَ الرُّكُوعِ وَمِنْهُمَا هُوَ مَنْدُوبٌ بِخَاصٍّ كَالرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ فَإِنَّهُ خَاصٌّ بِرَبِّنَا وَلَك الْحَمْدُ أَيْ؛ لِأَنَّ الْحَامِدَ لِرَبِّهِ طَالِبٌ مِنْهُ الْمَزِيدَ وَبِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ كَالسُّجُودِ وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ كَذَا فِي عب (أَقُولُ) كَوْنُ الدُّعَاءِ جَائِزًا مُسْتَوِيَ الطَّرَفَيْنِ بَعِيدٌ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الدُّعَاءَ مُخُّ الْعِبَادَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا وَقَعَ فِي كَلَامِهِمْ مِنْ كَوْنِهِ مُبَاحًا أَوْ جَائِزًا إنَّمَا الْقَصْدُ أَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ فَلَا يُنَافِي النَّدْبَ لَا أَنَّهُ مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الشَّارِحِ أَوْ يُقَالُ إنَّ الْإِجَابَةَ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ فِي ذَاتِهِ مَنْدُوبٌ وَقَوْلُ عب مَنْدُوبٌ بِخَاصٍّ أَيْ وَهُوَ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ كَذَا فِي عج ذَاكِرًا مَا يُفِيدُهُ وَفِي شَارِحِ الْجَلَّابِ مَا ظَاهِرُهُ الْعُمُومُ (قَوْلُهُ مِمَّا هُوَ مُمْكِنٌ) أَيْ عَادَةً وَشَرْعًا بِدَلِيلِ مَا بَعْدُ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ الدُّعَاءُ بِذَلِكَ) أَيْ بِالْمُمْتَنِعِ شَرْعًا أَوْ عَادَةً إلَّا لِوَلِيٍّ فِيمَا إذَا كَانَ مُمْتَنِعًا عَادَةً وَفِي عب وَانْظُرْ هَلْ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِهِ مُطْلَقًا أَوْ بِالْمُمْتَنِعِ شَرْعًا لَا عَادَةً اهـ.
(أَقُولُ) وَالظَّاهِرُ صِحَّةُ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ مُمْتَنِعًا عَقْلًا كَالْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ أَوْ عَادَةً أَوْ شَرْعًا (قَوْلُهُ غِفَارٌ) قَبِيلَةٌ وَكَذَا أَسْلَمُ وَقَوْلُهُ سَالَمَهَا اللَّهُ الْمُسَالَمَةُ الْمُتَارَكَةُ أَيْ لَمْ يُلْحِقْ اللَّهُ بِهَا مَكْرُوهًا.
(قَوْلُهُ عُصَيَّةُ) بِضَمِّ الْعَيْنِ قَبِيلَةٌ (قَوْلُهُ لِحْيَانَ) بِفَتْحِ اللَّامِ قَبِيلَةٌ (قَوْلُهُ رِعْلًا) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَالصَّوَابُ رِعْلًا بِحَذْفِ النُّونِ وَفِي رِوَايَةٍ ذَكَرَهَا مُسَلِّمٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ «دَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الَّذِينَ قَتَلُوا أَصْحَابَ بِئْرِ مَعُونَةَ ثَلَاثِينَ صَبَاحًا يَدْعُو عَلَى رَعْلٍ وَلِحْيَانَ وَعُصَيَّةُ عَصَتْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» فَفِي ذَيْنِك الرِّوَايَتَيْنِ تَصْرِيحٌ بِدُعَائِهِ عَلَى عُصَيَّةَ وَعِبَارَةُ الشَّارِحِ لَيْسَ فِيهَا تَصْرِيحٌ بِدُعَائِهِ عَلَى عُصَيَّةَ إلَّا أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ إنَّ الْإِخْبَارَ عَنْهَا بِالْعِصْيَانِ يَتَضَمَّنُ الدُّعَاءَ عَلَيْهَا وَفِيهِ بُعْدٌ.
(تَنْبِيهٌ) : يَجُوزُ الدُّعَاءُ عَلَى الظَّالِمِ بِعَزْلِهِ كَانَ ظَالِمًا لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ وَالْأَوْلَى عَدَمُ الدُّعَاءِ عَلَى مَنْ لَمْ يَعُمَّ ظُلْمُهُ فَإِنْ عَمَّ فَالْأَوْلَى الدُّعَاءُ وَيُنْهَى عَنْ الدُّعَاءِ عَلَيْهِ بِذَهَابِ أَوْلَادِهِ وَأَهْلِهِ أَوْ بِالْوُقُوعِ فِي مَعْصِيَةٍ؛ لِأَنَّ إرَادَةَ الْمَعْصِيَةِ مَعْصِيَةٌ أَوْ بِمُؤْلِمَاتٍ تَحْصُلُ لَهُ فَوْقَ مَا يَسْتَحِقُّهُ وَفِي جَوَازِ الدُّعَاءِ بِسُوءِ الْخَاتِمَةِ قَوْلَانِ الرَّاجِحُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ نَاجِي وَغَيْرُهُ الْمَنْعُ خِلَافًا لِلْبَرْزَلِيِّ.

(قَوْلُهُ وَتَرْكُهُ أَحْسَنُ) أَيْ إنَّ الْأَوْلَى خِلَافُهُ أَيْ لِمَا فِي تَرْكِهِ مِنْ التَّوَاضُعِ وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْمَكْرُوهِ وَخِلَافِ الْأَوْلَى (قَوْلُهُ وَالْكَفَّانِ تَبَعٌ لَهَا) أَفْرَدَ؛ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ فَلَا يُقَالُ إنَّ الْأَوْلَى تَابِعَانِ لَهَا وَمُقْتَضَى التَّبَعِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْيَدَيْنِ كَرَاهَةٌ اسْتِقْلَالًا فَمُقْتَضَاهُ لَوْ سَجَدَ عَلَى الْأَرْضِ بِجَبْهَتِهِ دُونَ يَدَيْهِ لَا كَرَاهَةَ وَظَاهِرٌ النَّقْلِ الْكَرَاهَةُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مُتَّصِلًا فَسَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَطَرَفِ كُمٍّ.
(قَوْلُهُ مِمَّا تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ) قُصُورٌ بَلْ كُلُّ مَا فِيهِ رَفَاهِيَةٌ أَيْ تَنَعُّمٌ مِنْ كَتَّانٍ أَوْ صُوفٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ كَحُصُرِ السَّامَّانِ) كَذَا فِي نُسْخَتِهِ أَيْ السُّمْرِ الْمَعْرُوفِ.
(قَوْلُهُ أَوْ الْأَدِيمِ) كَذَا فِي نُسْخَتِهِ بِمَعْنَى الْجِلْدِ وَاَلَّذِي فِي شب الدَّوْمُ وَقَيَّدَ شَيْخُنَا عَبْدُ اللَّهِ فَقَالَ لَعَلَّهَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْأَدِيمَ أَوْلَى فِي الْكَرَاهَةِ مِنْ غَيْرِهِ وَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ وَنَحْوِهِ)

الصفحة 290