كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 1)

لِأَنَّ تَقْصِيرَهَا مُسْتَحَبٌّ وَلَا سُجُودَ فِي تَرْكِ مُسْتَحَبٍّ فَكَانَ عَلَى الْمُؤَلِّفِ اسْتِثْنَاءُ هَذِهِ مِنْ كَلَامِهِ فَيَقُولُ لَمْ يُشْرَعْ بِهِ إلَّا الْجِلْسَةُ الْوُسْطَى عَلَى الْأَظْهَرِ (ص) وَإِنْ بَعْدَ شَهْرٍ (ش) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ فَبَعْدَهُ أَيْ: وَإِلَّا سَجَدَ بَعْدَهُ وَإِنْ كَانَ سُجُودُهُ بَعْدَ شَهْرٍ وَنُسْخَةُ حُلُولُو وَلَوْ بَعْدَ شَهْرٍ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ لَا يَتَقَيَّدُ بِهِ لَكِنَّهُ تَبِعَ الْمُدَوَّنَةَ فِي التَّعْبِيرِ بِالشَّهْرِ وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ الطُّولِ وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ لَكَانَ أَحْسَنَ.
فَإِنْ قُلْت: لِمَ أَمَرَ بِالسُّجُودِ بَعْدَ شَهْرٍ وَلَيْسَ هُوَ بِفَرْضٍ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ النَّافِلَةَ لَا تُقْضَى؟ فَالْجَوَابُ: إنَّهُ لَمَّا كَانَ جَابِرًا لِلْفَرْضِ أُمِرَ بِهِ لِلتَّبَعِيَّةِ لَا لِنَفْسِهِ فَإِنْ قُلْت هَذَا الْجَوَابُ فِيهِ قُصُورٌ؛ لِأَنَّ هَذَا فِيمَا إذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ الْمَجْبُورَةُ فَرِيضَةً مَعَ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ جَارٍ فِيمَا إذَا كَانَتْ نَافِلَةً وَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَهُ لَمَّا كَانَ جَابِرًا لِلْفَرْضِ إلَخْ شَامِلٌ؛ لِأَنَّ النَّافِلَةَ صَارَتْ فَرْضًا بِالشُّرُوعِ فِيهَا فَلَا إشْكَالَ وَإِنَّمَا كَانَ السُّجُودُ الْقَبْلِيُّ الْمُتَرَتِّبُ عَنْ سُنَّتَيْنِ أَوْ سُنَّةٍ مُؤَكَّدَةٍ لَا يُؤْتَى بِهِ مَعَ الطُّولِ وَالْبَعْدِيُّ يُؤْتَى بِهِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لِتَرْغِيمِ الشَّيْطَانِ وَالْقَبْلِيُّ جَابِرٌ وَالتَّرْغِيمُ لَا يَتَقَيَّدُ بِزَمَانٍ بِخِلَافِ الْجَابِرِ وَلِأَنَّ السُّجُودَ الْبَعْدِيَّ آكَدُ مِنْ الْقَبْلِيِّ الْمَذْكُورِ وَلِذَا قِيلَ بِعَدَمِ السُّجُودِ فِي بَعْضِ أَفْرَادِهِ كَنَقْصِ تَكْبِيرَتَيْنِ.

(ص) بِإِحْرَامٍ وَتَشَهُّدٍ وَسَلَامٍ جَهْرًا (ش) يَعْنِي أَنَّ السُّجُودَ الْبَعْدِيَّ أَوْ الْقَبْلِيَّ إذَا أُخِّرَ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى إحْرَامٍ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَنْوِي بِتَكْبِيرَةِ الْهَوِيِّ الْإِحْرَامَ وَلَيْسَ لِلْإِحْرَامِ تَكْبِيرَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى تَكْبِيرَةِ الْهَوِيِّ، وَهَلْ يَرْفَعُ يَدَيْهِ بِهَذَا الْإِحْرَامِ أَمْ لَا؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا كَمَا قَالَهُ الْحَطَّابُ وَإِلَى تَشَهُّدٍ وَإِلَى سَلَامٍ يَجْهَرُ بِهِ كَسَلَامِ الصَّلَاةِ، وَأَمَّا السُّجُودُ الْقَبْلِيُّ إذَا أَتَى بِهِ فِي مَحَلِّهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ إحْرَامٍ؛ لِأَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ إنَّ السَّلَامَ فِي السُّجُودِ الْبَعْدِيِّ وَاجِبٌ غَيْرُ شَرْطٍ فَلَا تَبْطُلْ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهِ وَأَحْرَى أَنْ لَا تَبْطُلَ بِتَرْكِ الْإِحْرَامِ بِمَعْنَى التَّكْبِيرِ، وَأَمَّا النِّيَّةُ فَلَا بُدَّ مِنْهَا وَفِي الطِّرَازِ لَا خِلَافَ أَنَّ التَّشَهُّدَ لَهُمَا لَيْسَ شَرْطًا أَيْ: فَلَا تَبْطُلُ بِتَرْكِهِ فَلَوْ تَرَكَ الثَّلَاثَةَ وَهِيَ الْإِحْرَامُ أَيْ: التَّكْبِيرُ وَالتَّشَهُّدُ وَالسَّلَامُ وَأَتَى بِنِيَّةٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْحَاصِلُ أَنَّ تَرْكَ التَّطْوِيلِ فِي الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ سُنَّةٌ وَكَذَا بَيْن السَّجْدَتَيْنِ وَهَذَا لَا يُفِيدُهُ كَلَامُهُ فِي سُنَنِ الصَّلَاةِ وَهُنَا أَمَرَانِ الْأَوَّلُ تَقَدَّمَ أَنَّ الزَّائِدِ عَلَى الطُّمَأْنِينَةِ سُنَّةٌ فَتَكُونُ السُّنَّةُ تَرْكَ التَّطْوِيلِ الزَّائِدِ عَلَى مَا هُوَ سُنَّةٌ وَلَمْ يُبَيِّنُوا حَدَّ الزَّائِدِ عَلَى الطُّمَأْنِينَةِ وَلَا حَدَّ التَّطْوِيلِ عَلَيْهِ الَّذِي يُوجِبُ السُّجُودَ وَفِي بَعْضِ التَّقَارِيرِ أَنَّ هَذَا قَدْرُ التَّشَهُّدِ ثَانِيهِمَا إنْ تَرَكَ التَّطْوِيلَ الَّذِي هُوَ سُنَّةٌ هَلْ هُوَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ أَوْ سُنَّةٌ خَفِيفَةٌ لَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَصًّا وَلَا يُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ كَوْنِ السُّجُودِ لَهُ وَلَا التَّطْوِيلُ؛ لِأَنَّ النَّقْصَ الْمُنْضَمَّ لِلزِّيَادَةِ جَرَى خِلَافٌ فِي أَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِي مُؤَكَّدَةٍ أَمْ لَا كَذَا قَالَ عج.
وَأَقُولُ النَّقْصُ هُنَا لَمْ يُؤْخَذْ جُزْءًا بَلْ أُخِذَ شَرْطًا بَلْ قَدْ يُقَالُ التَّطْوِيلُ فِي ذَاتِهِ هُوَ تَرْكُ السُّنَّةِ (قَوْلُهُ وَإِنْ بَعْدَ شَهْرٍ) اُنْظُرْ مَا حُكْمُ تَأْخِيرِهِ مُدَّةً مَا عَنْ الصَّلَاةِ هَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ أَمْ لَا؟ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَفْعَلُهُ مَتَى مَا ذَكَرَهُ إلَّا فِي صَلَاةٍ وَلَوْ تَرَتَّبَ فِي صَلَاةِ جُمُعَةٍ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ ذَكَرَ سُجُودًا بَعْدِيًّا مِنْ صَلَاةٍ قَدْ مَضَتْ وَهُوَ فِي فَرِيضَةٍ أَوْ نَافِلَةٍ لَمْ تَفْسُدْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فَإِذَا فَرَغَ مِمَّا هُوَ فِيهِ سَجَدَهُ.
(قَوْلُهُ وَهُوَ كِنَايَةٌ) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ إلَّا أَنْ يُقَالَ هُوَ كِنَايَةٌ إلَخْ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ) أَيْ بِالطُّولِ وَقَوْلُهُ لَكَانَ أَحْسَنَ أَيْ: لِمَا فِيهِ مِنْ التَّصْرِيحِ بِالْمَطْلُوبِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ النَّافِلَةَ صَارَتْ فَرْضًا إلَخْ) مُفَادُهُ أَنَّهُ يَأْتِي بِهِ مَتَى مَا ذَكَرَهُ وَلَوْ وَقْتَ نَهْيٍ وَلَوْ مُرَتَّبًا عَنْ نَافِلَةٍ وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ صَاحِبِ الطِّرَازِ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُهُمَا فِي وَقْتِ نَهْيٍ وَلَوْ كَانَ مُرَتَّبًا عَنْ فَرِيضَةٍ وَنَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي عَنْهُ وَعَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ فَانْظُرْهُ فِي شَرْحِهِ لِلرِّسَالَةِ وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ إنْ تَرَتَّبَ عَنْ فَرْضٍ أَتَى بِهِ حَيْثُمَا ذَكَرَ وَعَنْ نَفْلٍ فَفِي الْوَقْتِ الْمُبَاحِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لِتَرْغِيمِ) وَكَوْنُهُ فِيهِ تَرْغِيمُ الشَّيْطَانِ لَا يُنَافِي كَوْنَهُ جَابِرًا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي الْبَعْدِيِّ شَيْئَيْنِ كَوْنُهُ جَابِرًا وَمُرْغِمًا لِلشَّيْطَانِ فَرَاعَى أَهْلُ الْمَذْهَبِ الْأَمْرَيْنِ.
(قَوْلُهُ وَالْقَبْلِيُّ جَابِرٌ) وَالْجَابِرُ يَكُونُ مُتَّصِلًا بِالْمَجْبُورِ أَوْ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْجَابِرِ) أَيْ: الْمَحْضِ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ تَرْغِيمٌ وَهُوَ الْقَبْلِيُّ فَلَا يَرِدُ مَا يُقَالُ أَوَّلُ الْكَلَامِ يَقْتَضِي أَنَّ الْجَبْرَ يَصِحُّ وَلَوْ مَعَ الْبُعْدِ وَالْآخَرُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا مَعَ الْقُرْبِ (قَوْلُهُ وَلِذَا) أَيْ: وَلِكَوْنِهَا آكَدُ (قَوْلُهُ قِيلَ بِعَدَمِ السُّجُودِ فِي بَعْضِ أَفْرَادِهِ) أَيْ: الْقَبْلِيِّ يُعَارِضُ هَذَا بِأَنَّ الصَّلَاةَ تَبْطُلُ بِبَعْضِ صُوَرِ تَرْكِ الْقَبْلِيِّ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ عَنْ ثَلَاثِ سُنَنٍ وَطَالَ فَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ الْقَبْلِيَّ آكَدُ.

(قَوْلُهُ وَتَشَهُّدٍ) أَيْ: تَشَهُّدِ الْجُلُوسِ الْأَوَّلِ فَقَطْ (قَوْلُهُ بِمَعْنَى إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّفْسِيرَ لِلْإِحْرَامِ لَا مُنَاسَبَةَ لَهُ؛ إذْ لَا مَعْنَى لِكَوْنِ الْمُرَادِ بِالْإِحْرَامِ أَنْ يَنْوِيَ بِتَكْبِيرَةِ الْهَوِيِّ الْإِحْرَامَ فَالْأَحْسَنُ عِبَارَةُ عج حَيْثُ قَالَ الْمُرَادُ بِالْإِحْرَامِ الْمُعْتَبَرُ فِي الْبَعْدِيِّ النِّيَّةُ مَعَ تَكْبِيرَةِ السُّجُودِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ تَكْبِيرَةَ السُّجُودِ سُنَّةٌ أَمَّا النِّيَّةُ فَلَا بُدَّ مِنْهَا.
(قَوْلُهُ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا كَمَا قَالَهُ الْحَطَّابُ) وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ كَمَا فِي بَعْضِ الشُّرَّاحِ.
(قَوْلُهُ وَإِلَى تَشَهُّدٍ) أَيْ: عَلَى طَرِيقِ السُّنَّةِ.
(قَوْلُهُ وَيَجْهَرُ بِهِ) أَيْ: سُنَّةً وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ الْجَهْرَ بِهِ سُنَّةٌ كَسَلَامِ الْفَرِيضَةِ.
(قَوْلُهُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ إحْرَامٍ) إضَافَةٌ لِلْبَيَانِ إنْ أُرِيدَ بِالْإِحْرَامِ مُجَرَّدُ النِّيَّةِ فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ النِّيَّةُ مَعَ التَّكْبِيرِ كَمَا هُوَ مُفَادُ عِبَارَةِ عج الْمُتَقَدِّمَةُ فَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الْجُزْءِ لِلْكُلِّ وَمَا ذَكَرَهُ شَارِحُنَا مِنْ عَدَمِ الِاحْتِيَاجِ مَنْقُولٌ عَنْ الْهَوَّارِيِّ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ) أَيْ: فَنِيَّةُ الصَّلَاةِ الْمُعَيَّنَةِ مُنْسَحِبَةٌ عَلَيْهِ أَيْ: فَلَوْ اتَّفَقَ أَنَّهُ أَتَى بِالسَّجْدَتَيْنِ ذَاهِلًا عَنْ كَوْنِهِ سَاجِدًا لِلسَّهْوِ لَصَحَّتَا إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَقَوْلُ عب وَأَمَّا الْقَبْلِيُّ فَالسَّلَامُ لِلصَّلَاةِ وَيَحْتَاجُ لِتَكْبِيرَةِ هَوِيٍّ مَعَ نِيَّةٍ اهـ. لَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلنَّقْلِ.
(قَوْلُهُ فَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهِ) الْمُنَاسِبُ السُّجُودُ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ عِبَارَةِ ابْنِ رُشْدٍ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِالصَّلَاةِ السُّجُودَ لَا الصَّلَاةَ التَّابِعَ لَهَا السُّجُودُ.
(قَوْلُهُ فَلَا بُدَّ مِنْهَا) أَيْ فِي صِحَّةِ السُّجُودِ لَا فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ التَّابِعِ لَهَا السُّجُودُ

الصفحة 314