كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 1)

لَكِنْ يُنْدَبُ لَهُ تَرْكُ الْحَمْدِ سِرًّا وَجَهْرًا؛ لِأَنَّ مَا هُوَ فِيهِ أَهَمُّ بِالِاشْتِغَالِ بِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَقْرَأَ مُبَشَّرٍ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ فَيَكُونُ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْبِشَارَةُ لِلْحَامِدِ فَقَطْ وَلَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ هَلْ الْحَمْدُ مَكْرُوهٌ أَوْ خِلَافُ الْأَوْلَى وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُعْجِبُنِي وَالْعُطَاسُ بُخَارٌ يَطْلُعُ بِسُرْعَةٍ مِنْ الْخَيْشُومِ يَنْدَفِعُ بِهِ مَضَرَّةٌ.

(ص) وَلَا لِجَائِزٍ كَإِنْصَاتٍ قَلَّ لِمُخْبِرٍ وَتَرْوِيحِ رِجْلَيْهِ وَقَتْلِ عَقْرَبٍ تُرِيدُهُ وَإِشَارَةٍ لِسَلَامٍ أَوْ حَاجَةٍ (ش) يَعْنِي وَلَا سُجُودَ فِي ارْتِكَابِ جَائِزٍ فِعْلُهُ فِي الصَّلَاةِ لِنَفْسِهِ لَا لِإِصْلَاحِهَا فَمِنْ ذَلِكَ الْإِنْصَاتُ الْيَسِيرُ لِسَمَاعِ مُخْبِرٍ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ ابْنُ بَشِيرٍ وَإِنْ طَالَ الْإِنْصَاتُ جِدًّا أَبْطَلَ صَلَاتَهُ؛ لِأَنَّهُ اشْتَغَلَ عَنْ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ بَيْنَ ذَلِكَ سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ أَيْ إنْ كَانَ سَهْوًا وَالطُّولُ وَالْقِلَّةُ وَالتَّوَسُّطُ بِالْعُرْفِ كَذَا يَنْبَغِي وَمِنْ ذَلِكَ تَرْوِيحُ الرِّجْلَيْنِ وَلَمَّا فَسَّرَهُ الشَّارِحُ بِأَنَّهُ الِاعْتِمَادُ عَلَى رِجْلٍ وَرَفْعُ الْأُخْرَى احْتَاجَ لِمَا قَيَّدَ بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ أَنَّهُ طُولٌ إذْ هُوَ مَعَ انْتِفَاءِ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ وَفَسَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ الِاعْتِمَادُ عَلَى إحْدَى الرِّجْلَيْنِ مَعَ عَدَمِ رَفْعِ الْأُخْرَى وَمِنْ ذَلِكَ قَتْلُ مَا يُحَاذِرُ مِنْ حَيَّةٍ أَوْ عَقْرَبٍ تُرِيدُهُ فَإِنْ لَمْ تُرِدْهُ كُرِهَ قَتْلُهُ لَهَا وَفِي سُجُودِهِ قَوْلَانِ وَيُكْرَهُ قَتْلُ مَا عَدَا الْحَيَّةَ وَالْعَقْرَبَ مِنْ طَيْرٍ أَوْ صَيْدٍ أَوْ ذَرَّةٍ أَوْ نَحْلَةٍ أَوْ بَعُوضَةٍ، وَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِمَا فِيهِ شُغْلٌ كَثِيرٌ ثُمَّ الْمُرَادُ بِإِرَادَةِ الْعَقْرَبِ لَهُ أَنْ تَأْتِيَ مِنْ جِهَتِهِ؛ لِأَنَّهَا عَمْيَاءُ لَا تَقْصِدُ أَحَدًا وَلِأَنَّ الْإِرَادَةَ مِنْ صِفَاتِ الْعُقَلَاءِ وَمِنْ ذَلِكَ الْإِشَارَةُ بِيَدٍ أَوْ رَأْسٍ لِسَلَامٍ رَدًّا وَابْتِدَاءً قَالَهُ سَنَدٌ وَصَرَّحَ ابْنُ رُشْدٍ بِوُجُوبِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلْيَرُدَّ اهـ وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى وَإِشَارَةٍ لِسَلَامٍ أَيْ لِرَدِّ سَلَامٍ لَا ابْتِدَائِهِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ خِلَافًا لِابْنِ الْحَاجِبِ الْقَائِلِ بِجَوَازِهِ قَالَ ابْنُ هَارُونَ وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ وَتَرْكُهُ عِنْدِي صَوَابٌ وَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ فِي الْجَائِزِ اهـ وَلَا فَرْقَ فِي جَوَازِ الْإِشَارَةِ لِلْحَاجَةِ رَدًّا وَطَلَبًا ثُمَّ الْأَوْلَى أَنْ يُقْرَأَ قَوْلُ الْمُؤَلِّفِ لِمُخْبِرٍ بِالْكَسْرِ اسْمُ فَاعِلٍ لِيَشْمَلَ مَا إذَا كَانَ الْإِنْصَاتُ مِنْ الْمُخْبَرِ بِالْفَتْحِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَمَّا إنْ قُرِئَ بِالْفَتْحِ فَلَا يَشْمَلُ الثَّانِيَ وَقَيَّدْنَا الْجَائِزَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ بِقَوْلِنَا فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَصْدَرُ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ ظَاهِرٌ فِي عُطَاسٍ وَأَمَّا بِشَارَةٌ فَلَيْسَ بِمَصْدَرٍ؛ لِأَنَّ مَصْدَرَ بَشَّرَ التَّبْشِيرُ وَيُجَابُ بِأَنَّ اسْمَ الْمَصْدَرِ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ (قَوْلُهُ لَكِنْ يُنْدَبُ لَهُ تَرْكُ الْحَمْدِ) وَكَذَا تَرْكُ الِاسْتِرْجَاعِ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا أُخْبِرَ فِي الصَّلَاةِ بِمَا يَسُرُّهُ فَحَمِدَ اللَّهَ أَوْ بِمُصِيبَةٍ فَاسْتَرْجَعَ أَوْ بِشَيْءٍ فَيَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ أَوْ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ فَلَا يُعْجِبنِي وَصَلَاتُهُ مُجْزِئَةٌ.
(قَوْلُهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَقْرَأَ مُبَشِّرٌ) كَذَا فِي نُسْخَتِهِ يُحْتَمَلُ إلَخْ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا حَلٌّ آخَرُ غَيْرُ مَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ أَوْ بِشَارَةٍ بُشِّرَ بِهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ عَيْنُهُ فَالْأَوْضَحُ لِقَوْلِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَقْرَأَ أَنْ يَقُولَ أَوَّلًا بَدَلَ قَوْلِهِ بِشَارَةٍ إلَخْ أَوْ بِشَارَةِ مُبَشِّرٍ بِكَسْرِ الشِّينِ كَانَتْ الْبِشَارَةُ لِلْحَامِدِ أَوْ غَيْرِهِ.
(قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُعْجِبُنِي) قَوْلُهُ لِخَبَرٍ سَمِعَهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ أَوْ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَجْهُهُ أَنَّ نَفْيَ الْعَجَبِ يَحْتَمِلُ الْكَرَاهَةَ وَالْحُرْمَةَ وَهِيَ لَا تُتَوَهَّمُ فَأَقَلُّ مَا هُنَاكَ الْكَرَاهَةُ.
(فَإِنْ قُلْت) مَا الْمَانِعُ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى خِلَافِ الْأَوْلَى (قُلْت) إنَّ أَلْفَاظَ الْإِمَامِ أَوْ تَابِعِهِ بِمَنْزِلَةِ أَلْفَاظِ الشَّارِعِ وَالنَّفْيُ بِمَنْزِلَةِ النَّهْيِ وَخِلَافُ الْأَوْلَى لَمْ يُصَرِّحْ فِيهِ بِالنَّهْيِ بَلْ إنَّمَا أَخَذَ مِنْ لَفْظِ الْأَوَامِرِ بِالْمَنْدُوبِ (قَوْلُهُ الْخَيْشُومِ) أَقْصَى الْأَنْفِ.

(قَوْلُهُ وَإِشَارَةٍ لِرَدِّ سَلَامٍ) أَيْ وَأَمَّا الرَّدُّ بِاللَّفْظِ فَيُبْطِلُ عَمْدًا وَجَهْلًا لَا سَهْوًا فَيَسْجُدُ (قَوْلُهُ لَا لِإِصْلَاحِهَا) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ لِنَفْسِهِ وَكَأَنَّهُ يَقُولُ جَائِزٌ لِفِعْلِهِ لِأَجْلِ حَاجَةِ نَفْسِهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ طَالَ الْإِنْصَاتُ جِدًّا أَبْطَلَ صَلَاتَهُ) أَيْ عَمْدًا أَوْ جَهْلًا أَوْ سَهْوًا (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ بَيْنَ ذَلِكَ سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ) أَيْ: إنْ كَانَ سَهْوًا وَأَمَّا عَمْدًا فَتَبْطُلُ (قَوْلُهُ وَفَسَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ الِاعْتِمَادُ إلَخْ) أَيْ: وَلَا يَحْتَاجُ لِتَقْيِيدِهِ بِالطُّولِ؛ لِأَنَّهُ جَائِزٌ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ مِنْ حَيَّةٍ أَوْ عَقْرَبٍ) الْحَيَّةُ تَكُونُ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالْهَاءُ لِلْإِفْرَادِ كَبَغْلَةٍ وَدَجَاجَةٍ عَلَى أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ الْعَرَبِ رَأَيْت حَيًّا عَلَى حَيَّةٍ أَيْ ذَكَرًا عَلَى أُنْثَى قَالَهُ فِي الْمُخْتَارِ وَالْعَقْرَبُ يُقَالُ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالْغَالِبُ عَلَيْهَا التَّأْنِيثُ وَالْأُنْثَى عَقْرَبَةٌ وَعَقْرَبَاءُ مَفْتُوحٌ مَمْدُودٌ غَيْرُ مَصْرُوفٍ وَالذَّكَرُ عُقْرُبَانٌ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ.
(قَوْلُهُ وَفِي سُجُودِهِ قَوْلَانِ) مَعْنَاهُ إذَا كَانَ سَاهِيًا عَنْ كَوْنِهِ فِي صَلَاةٍ كَمَا يُفِيدُهُ عج وَتَبِعَهُ عب وَهُوَ كَلَامٌ ظَاهِرٌ مِنْ حَيْثُ السُّجُودُ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِظَاهِرٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَمْ يَكُنْ الْكَلَامُ عَلَى سُنَنٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ مَعَ الْعِلْمِ بِكَوْنِهِ فِي الصَّلَاةِ وَالْخِلَافُ مَعَ السَّهْوِ وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ إبْقَاءُ اللَّفْظِ عَلَى ظَاهِرِهِ كَمَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِنَصِّ ابْنِ عَرَفَةَ ابْنُ رُشْدٍ وَوَجَبَ فِعْلُهُ بِقَتْلِ حَيَّةٍ أَرَادَتْهُ وَلَمْ يَسْجُدْ وَإِذَا كَرِهَ قَتْلَهَا وَلَمْ تُرِدْهُ فَفِي سُجُودِهِ قَوْلَانِ اهـ. فَهَذَا ظَاهِرٌ ظُهُورًا قَوِيًّا فِي أَنَّ الْخِلَافَ فِي السُّجُودِ فِي حَالَةِ الْكَرَاهَةِ وَلَا تُوجَدُ الْكَرَاهَةُ إلَّا مَعَ الْعِلْمِ بِكَوْنِهِ فِي الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّهُ يُشْكِلُ بِأَنَّ السَّهْوَ هُوَ الْمُوجِبُ لِلسُّجُودِ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ مِثْلُ الطُّولِ فِي مَحَلٍّ لَا يُطْلَبُ فِيهِ التَّطْوِيلُ بَلْ فَهُوَ مَعَ كَوْنِهِ عَمْدًا فِيهِ السُّجُودُ.
(قَوْلُهُ أَوْ ذَرَّةٍ) قَالَ فِي الْمُخْتَارِ الذَّرُّ جَمْعُ ذَرَّةٍ وَهِيَ أَصْغَرُ النَّمْلِ (قَوْلُهُ أَوْ نَحْلَةٍ) الْوَاحِدَةُ مِنْ النَّحْلِ.
(قَوْلُهُ أَوْ بَعُوضَةٍ) قَالَ فِي الْمُخْتَارِ وَالْبَعُوضُ الْبَقُّ الْوَاحِدَةُ بَعُوضَةٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْإِرَادَةَ مِنْ صِفَاتِ الْعُقَلَاءِ) رَدَّهُ مُحَشِّي تت بِأَنَّ الْعُقَلَاءَ مُطْبِقُونَ عَلَى وَصْفِ الْحَيَوَانِ بِأَنَّهُ الْمُتَحَرِّكُ بِالْإِرَادَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ إنْسَانًا أَوْ غَيْرَهُ (قَوْلُهُ بِوُجُوبِهِ) أَيْ: الرَّدِّ وَقَوْلُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ صِيغَةَ الْأَمْرِ تَقْتَضِي الْوُجُوبَ (قَوْلُهُ وَلَا فَرْقَ فِي جَوَازِ الْإِشَارَةِ لِلْحَاجَةِ رَدًّا وَطَلَبًا) إلَّا أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ قَيَّدَ ذَلِكَ بِالْخَفِيفِ (قَوْلُهُ لِيَشْمَلَ مَا إذَا كَانَ الْإِنْصَاتُ إلَخْ) أَيْ: وَتُجْعَلُ اللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ.
(قَوْلُهُ وَأَمَّا إنْ قُرِئَ بِالْفَتْحِ إلَخْ) وَاللَّامُ حِينَئِذٍ بِمَعْنَى مِنْ أَيْ وَإِنْصَاتٍ وَاقِعٍ مِنْ مُخْبَرٍ أَوْ ثَابِتٍ لِمُخْبِرٍ مِنْ حَيْثُ وُقُوعُهُ مِنْهُ

الصفحة 323