كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 1)

اخْتِلَافٌ أَوْ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَ الْكِتَابَيْنِ وَإِنَّمَا جَاءَ الْبُطْلَانُ فِي الْكِتَابِ الْأَوَّلِ لِوُجُودِ السَّلَامِ مَعَ أَحَدِ الْفِعْلَيْنِ الْمُنَافِي لِلصَّلَاةِ وَهَذَا عَلَى رِوَايَةِ الْوَاوِ وَأَوْ فَلَوْ لَمْ يُوجَدْ سَلَامٌ لَاسْتَوَى الْجَوَابُ بِعَدَمِ الْبُطْلَانِ أَوْ إنَّمَا جَاءَ الْبُطْلَانُ فِي الْأَوَّلِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ وَلَيْسَ فِي الْكِتَابِ الثَّانِي ذَلِكَ وَهَذَا عَلَى رِوَايَةِ الْوَاوِ فَقَطْ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ جَعَلَ بَيْنَ الْمَحَلَّيْنِ خِلَافًا نَظَرَ إلَى حُصُولِ الْمُنَافِي بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ تَعَدُّدِهِ وَاتِّحَادِهِ فَفِي مَحَلٍّ قَالَ: إنَّ حُصُولَ الْمُنَافِي الْمَخْصُوصِ سَوَاءٌ كَانَ سَلَامًا وَأَكْلًا وَشُرْبًا أَوْ أَحَدُهَا فَقَطْ أَوْ اثْنَيْنِ مِنْهَا مُبْطِلٌ وَعَلَى هَذَا فَالْخِلَافُ جَارٍ فِي حُصُولِ الْأَكْلِ وَحْدَهُ أَوْ الشُّرْبِ وَحْدَهُ أَوْ السَّلَامِ وَحْدَهُ أَوْ السَّلَامِ مَعَ الْأَكْلِ أَوْ الشُّرْبِ أَوْ فِي الثَّلَاثَةِ، وَأَمَّا مَنْ وَفَّقَ بِأَنَّ الْأَوَّلَ فِيهِ سَلَامٌ فَعِنْدَهُ أَنَّ الْبُطْلَانَ حَيْثُ حَصَلَ السَّلَامُ مَعَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ أَوْ مَعَ أَحَدِهِمَا وَلَا يَحْصُلُ بِالسَّلَامِ وَحْدَهُ وَلَا بِحُصُولِ الْأَكْلِ مَعَ الشُّرْبِ وَمَنْ وَفَّقَ بِالْجَمْعِ أَيْ: بِجَمْعِ الْأَكْلِ مَعَ الشُّرْبِ فَيَقُولُ بِبُطْلَانِهَا بِالسَّلَامِ مَعَ أَحَدِهِمَا بِالْأَوْلَى كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ السَّلَامَ أَشَدُّ مُنَافَاةً مِنْ الْأَكْلِ وَحْدَهُ أَوْ الشُّرْبِ وَحْدَهُ فَإِذَا حَصَلَ الثَّلَاثَةُ اتَّفَقَ الْمُوَفِّقَانِ عَلَى الْبُطْلَانِ، وَكَذَا إذَا حَصَلَ السَّلَامُ مَعَ الْأَكْلِ أَوْ الشُّرْبِ وَإِذَا حَصَلَ الْأَكْلُ وَحْدَهُ أَوْ الشُّرْبُ وَحْدَهُ أَوْ السَّلَامُ وَحْدَهُ اتَّفَقَا عَلَى الصِّحَّةِ، وَإِذَا حَصَلَ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ بِلَا سَلَامٍ اخْتَلَفَ الْمُوَفِّقَانِ فَمَنْ أَنَاطَ الْبُطْلَانَ بِالسَّلَامِ يَقُولُ بِعَدَمِ الْبُطْلَانِ، وَمَنْ أَنَاطَهُ بِالْجَمْعِ قَالَ بِالْبُطْلَانِ وَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ هَذَا فِي الْإِمَامِ وَالْفَذِّ، وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَالْإِمَامُ يَحْمِلُهُ عَنْهُ.

(ص) وَبِانْصِرَافٍ لِحَدَثٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ نَفْيُهُ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْمُصَلِّي إذَا ظَنَّ أَنَّهُ أَحْدَثَ فَانْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ عَلَيْهِ لِتَفْرِيطِهِ وَالْمُرَادُ بِالِانْصِرَافِ الْإِعْرَاضُ بِالنِّيَّةِ وَلَوْ لَمْ يَزُلْ عَنْ مَكَانِهِ.

(ص) كَمُسَلِّمٍ شَكَّ فِي الْإِتْمَامِ ثُمَّ ظَهَرَ الْكَمَالُ عَلَى الْأَظْهَرِ (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ سَلَّمَ وَهُوَ غَيْرُ مُتَيَقِّنٍ الْإِتْمَامَ ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ بَعْدَ السَّلَامِ الْكَمَالُ فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ عَلَى أَظْهَرِ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ لِمُخَالَفَتِهِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ الْبِنَاءِ عَلَى الْيَقِينِ وَأَوْلَى لَوْ ظَهَرَ النُّقْصَانُ أَوْ لَمْ يَظْهَرْ شَيْءٌ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ شَكٌّ فِي السَّبَبِ الْمُبِيحِ لِلسَّلَامِ وَهُوَ يَضُرُّ وَمُقَابِلُهُ صِحَّةُ الصَّلَاةِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ؛ لِأَنَّهُ شَكَّ فِي الْمَانِعِ وَهُوَ لَا يَضُرُّ.

(ص) وَبِسُجُودِ الْمَسْبُوقِ مَعَ الْإِمَامِ بَعْدِيًّا أَوْ قَبْلِيًّا إنْ لَمْ يَلْحَقْ رَكْعَةً (ش) يَعْنِي أَنَّ الْمَسْبُوقَ إذَا لَمْ يَلْحَقْ مَعَ الْإِمَامِ مِنْ الصَّلَاةِ رَكْعَةً وَسَجَدَ مَعَهُ عَمْدًا أَوْ جَهْلًا لِسَهْوٍ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ سَوَاءٌ كَانَ السُّجُودُ قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ بَعْدَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُومٍ حَقِيقَةً وَلِذَا لَا يَسْجُدُ بَعْدَ تَمَامِ صَلَاتِهِ أَيْضًا قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَقَوْلُهُ وَبِسُجُودِ إلَخْ هُوَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَبِالسَّلَامِ؛ لِأَنَّ الْمُنَافِيَ مَوْجُودٌ (قَوْلُهُ مَعَ أَحَدِ الْفِعْلَيْنِ) مَفْهُومُ لَقَبِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ عَلَى رِوَايَةِ الْوَاوِ مَوْجُودٌ مَعَ الْفِعْلَيْنِ (قَوْلُهُ الْمُنَافِي لِلصَّلَاةِ) صِفَةٌ لِأَحَدِ الْفِعْلَيْنِ (قَوْلُهُ فَلَوْ لَمْ يُوجَدْ سَلَامٌ) وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ السَّلَامَ أَشَدُّ مُنَافَاةً مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ جُعِلَتْ ذَاتُهُ عَلَامَةً عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ لَوْ وُجِدَ أَكْلٌ وَشُرْبٌ مَعًا فَلَا بُطْلَانَ أَقُولُ هَذَا التَّأْوِيلُ غَفْلَةٌ عَنْ تَعْلِيلِ الْمُدَوَّنَةِ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ لِكَثْرَةِ الْمُنَافِي وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَعْلِيلَ الْمُدَوَّنَةِ يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ الْخِلَافِ وَتَرْجِيحِ الْوِفَاقِ بِالْجَمْعِ (قَوْلُهُ وَهَذَا عَلَى رِوَايَةِ الْوَاوِ فَقَطْ) وَسَكَتَ عَنْ رِوَايَةِ أَوْ وَعَلَى هَذَا أَقُولُ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أَوْ إنَّمَا حَكَمَ بِالْبُطْلَانِ فِي الْأُولَى لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ أَيْ: بَيْنَ اثْنَيْنِ فَيَصْدُقُ بِجَمْعِ أَكْلٍ وَشُرْبٍ أَوْ أَكْلٍ وَسَلَامٍ أَوْ شُرْبٍ مَعَ سَلَامٍ وَأَوْلَى اجْتِمَاعُ الثَّلَاثَةِ وَهَذَا التَّأْوِيلُ هُوَ الْمُوَافِقُ لِتَعْلِيلِ الْمُدَوَّنَةِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ وَاعْلَمْ إلَخْ) هَذَا كَالْحَاصِلِ لِمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ فَفِي مَحَلٍّ قَالَ) أَيْ: فِي الْكِتَابِ الْأَوَّلِ أَيْ: عَلَى رِوَايَةِ الْوَاوِ وَأَوْ (قَوْلُهُ أَيْ: بِجَمْعِ الْأَكْلِ مَعَ الشُّرْبِ إلَخْ) كَذَا فِي نُسْخَتِهِ.
(أَقُولُ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْكِتَابِ الْأَوَّلِ جَمْعٌ بَيْنَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَقَطْ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ: وَأَمَّا مَنْ وَفَّقَ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ فَكَمَا أَنَّ ذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي السَّلَامِ مَعَ كُلٍّ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ مَوْجُودٌ مَعَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَقَطْ فَيَبْطُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ كَمَا يَبْطُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ السَّلَامِ وَالْأَكْلِ أَوْ الشُّرْبِ.
(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ السَّلَامَ أَشَدُّ مُنَافَاةً مِنْ الْأَكْلِ وَحْدَهُ أَوْ الشُّرْبِ) وَوَجْهُ كَوْنِهِ أَشَدَّ مُنَافَاةً أَنَّهُ جُعِلَ عَلَمًا عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ فَإِذَا حَصَلَ الثَّلَاثَةُ اتَّفَقَ الْمُوَفِّقَانِ عَلَى الْبُطْلَانِ) أَيْ:؛ لِأَنَّ السَّلَامَ وُجِدَ مَعَ الْوَاحِدِ وَمَعَ الِاثْنَيْنِ وَلِوُجُودِ الْجَمْعِ بَيْنَ اثْنَيْنِ (قَوْلُهُ فَمَنْ أَنَاطَ الْبُطْلَانَ بِالسَّلَامِ) أَيْ: مَعَ غَيْرِهِ لَا وَحْدَهُ (قَوْلُهُ فَالْإِمَامُ يَحْمِلُهُ عَنْهُ) أَيْ: فِيمَا لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِفِعْلِهِ وَأَمَّا مَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِفِعْلِهِ كَأَكْلٍ وَشُرْبٍ مَثَلًا فَالْإِمَامُ لَا يَحْمِلُهُ عَنْهُ.

(قَوْلُهُ وَبِانْصِرَافٍ لِحَدَثٍ إلَخْ) قَالَ عج وَهَذِهِ تُفْهَمُ مِنْ مَسْأَلَةِ الرُّعَافِ بِالْأَوْلَى فَلَوْ تَرَكَهَا الْمُصَنِّفُ لِفَهْمِهَا مِنْ مَسْأَلَةِ الرُّعَافِ مَا ضَرَّهُ (قَوْلُهُ تَبَيَّنَ نَفْيُهُ) وَأَوْلَى إنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ شَيْءٌ.

(قَوْلُهُ كَمُسَلِّمٍ) مِنْ صَلَاتِهِ عَمْدًا أَوْ جَهْلًا وَأَمَّا سَهْوًا فَإِنْ تَذَكَّرَ عَنْ قُرْبٍ أَصْلَحَ بِأَنْ يُعِيدَ السَّلَامَ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ وَإِنْ تَذَكَّرَ عَنْ بُعْدٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ (قَوْلُهُ وَهُوَ غَيْرُ مُتَيَقِّنٍ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّكِّ عَدَمُ الْيَقِينِ وَأَوْلَى لَوْ سَلَّمَ مُعْتَقِدًا عَدَمَ التَّمَامِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ شَكَّ فِي الْمَانِعِ إلَخْ) أَقُولُ لَا يَخْفَى أَنَّ السَّبَبَ الْمُبِيحَ هُوَ الْإِتْمَامُ وَالْمَانِعُ هُنَا عَدَمُ الْإِتْمَامِ مَعَ أَنَّ عَدَمَ السَّبَبِ لَا يُعَدُّ مَانِعًا فَالْمَانِعُ هُوَ الْوَصْفُ الْوُجُودِيُّ، فَالْأَحْسَنُ مَا قَالَهُ غَيْرُهُ مِنْ أَنَّ ابْنَ حَبِيبٍ يَقُولُ: إنَّهَا جَائِزَةٌ كَمُتَزَوِّجٍ بِامْرَأَةٍ لَا يَدْرِي أَزَوْجُهَا حَيٌّ أَوْ مَيِّتٌ؟ ثُمَّ انْكَشَفَ مَوْتُهُ وَانْقِضَاءُ عِدَّتِهَا قَبْلَ الْعَقْدِ عَلَيْهَا وَفَرَّقَ بِأَنَّ فَسْخَ النِّكَاحِ فِيهِ إضَاعَةُ مَالٍ وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ وَلَا كَذَلِكَ الصَّلَاةُ.

(قَوْلُهُ سَوَاءٌ كَانَ السُّجُودُ قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ بَعْدَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ) وَمُقَابِلُهُ مَا لِسَحْنُونٍ يَتَّبِعُ الْإِمَامَ فِي سُجُودِهِ الْقَبْلِيِّ لَا الْبَعْدِيِّ وَقَالَ سُفْيَانُ يَتَّبِعُهُ فِيهِمَا اهـ.

الصفحة 331