كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 1)

وَجَلَسَ مَنْ تَذَكَّرَ قَائِمًا لِلْإِحْرَامِ أَيْ: لِيَأْتِيَ بِهِ مِنْ جُلُوسٍ؛ لِأَنَّهُ الْحَالَةُ الَّتِي فَارَقَ مِنْهَا الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ نَهْضَتَهُ قَبْلُ لَمْ تَكُنْ لَهَا قَالَهُ ابْنُ شَبْلُونٍ وَابْنُ رُشْدٍ وَهُوَ الصَّوَابُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ سَلَامُهُ مِنْ اثْنَتَيْنِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ عَلَى ظَاهِرِ قَوْلِ ابْنِ يُونُسَ مَنْ قَالَ يَرْجِعُ بِإِحْرَامٍ يَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ يَجْلِسُ؛ لِأَنَّ نَهْضَتَهُ لَمْ تَكُنْ لِلصَّلَاةِ انْتَهَى وَهَذَا فِيمَنْ تَذَكَّرَ بَعْدَ أَنْ سَلَّمَ وَقَامَ، وَأَمَّا مَنْ تَذَكَّرَ وَهُوَ جَالِسٌ فَإِنَّهُ يُحْرِمُ كَذَلِكَ، وَلَا يُطْلَبُ مِنْهُ الْقِيَامُ اتِّفَاقًا كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَوْلُهُ وَجَلَسَ لَهُ أَيْ: لِيَأْتِيَ بِهِ مِنْ جُلُوسٍ لَا جَلَسَ لَهُ بَعْدَ أَنْ يَأْتِيَ بِالْإِحْرَامِ مِنْ قِيَامٍ خِلَافًا لِلشَّارِحِ.

(ص) وَأَعَادَ تَارِكُ السَّلَامِ التَّشَهُّدَ وَسَجَدَ إنْ انْحَرَفَ عَنْ الْقِبْلَةِ (ش) لِمَا قُدِّمَ أَنَّ مَنْ تَرَكَ رُكْنًا مِنْ الْأَخِيرَةِ يَتَدَارَكُهُ مَا لَمْ يُسَلِّمْ وَأَنَّ السَّلَامَ يُفِيتُ التَّدَارُكَ عَلَى الْمَشْهُورِ؛ لِأَنَّهُ رُكْنٌ حَصَلَ بَعْدَ رَكْعَةِ السَّهْوِ فَأَشْبَهَ عَقْدَ مَا بَعْدَهَا كَانَ مَظِنَّةَ سُؤَالٍ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ فَلَوْ كَانَ الْمَتْرُوكُ هُوَ السَّلَامُ نَفْسُهُ الَّذِي لَا رُكْنَ بَعْدَهُ فَمَا الَّذِي يَفُوتُ تَدَارُكُهُ فَأَجَابَ مُشِيرًا إلَى أَنَّ ذَلِكَ عَلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ بِقَوْلِهِ وَأَعَادَ إلَخْ، وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ تَرَكَ السَّلَامَ سَهْوًا وَطَالَ طُولًا مُتَوَسِّطًا أَوْ فَارَقَ مَوْضِعَهُ فَإِنَّهُ يُعِيدُ التَّشَهُّدَ بَعْدَ أَنْ يَرْجِعَ بِإِحْرَامٍ مِنْ جُلُوسٍ لِيَقَعَ سَلَامُهُ عَقِبَ التَّشَهُّدِ ثُمَّ يُسَلِّمُ وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ، وَإِنْ طَالَ جِدًّا بَطَلَتْ وَإِنْ قَرُبَ جِدًّا لَكِنْ انْحَرَفَ عَنْ الْقِبْلَةِ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ طُولٍ وَلَا مُفَارَقَةِ مَوْضِعِهِ فَإِنَّهُ يَعْتَدِلُ إلَى الْقِبْلَةِ وَيُسَلِّمُ وَيَسْجُدُ وَلَا يَحْتَاجُ هَذَا إلَى تَكْبِيرٍ وَلَا إعَادَةِ تَشَهُّدٍ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَنْحَرِفْ فِي هَذَا الْقِسْمِ عَنْ الْقِبْلَةِ سَلَّمَ فَقَطْ وَلَا سُجُودَ لِانْتِفَاءِ مُوجِبِهِ فَقَوْلُهُ وَأَعَادَ إلَخْ هَذَا إذَا طَالَ طُولًا مُتَوَسِّطًا أَوْ فَارَقَ مَوْضِعَهُ وَسَكَتَ عَنْ ذِكْرِ عَوْدِهِ بِإِحْرَامٍ فِي هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ اتِّكَالًا عَلَى الْعُمُومِ السَّابِقِ فِي قَوْلِهِ بِإِحْرَامٍ وَسَكَتَ عَنْ سُجُودِهِ لِوُضُوحِ الزِّيَادَةِ، وَدَلِيلُ أَنَّ مُرَادَهُ هَذَانِ الْقِسْمَانِ دُونَ قِسْمِ الطُّولِ جِدًّا الْمُبْطِلِ لِلصَّلَاةِ قَوْلُهُ فِيمَا سَبَقَ وَبِتَرْكِ رُكْنٍ وَطَالَ وَدُونَ قِسْمِ الْقُرْبِ جِدًّا الَّذِي لَا إحْرَامَ فِيهِ وَلَا تَشَهُّدَ قَوْلُهُ وَسَجَدَ إنْ انْحَرَفَ إلَخْ.

(ص) وَرَجَعَ تَارِكُ الْجُلُوسِ الْأَوَّلِ إنْ لَمْ يُفَارِقْ الْأَرْضَ بِيَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَلَا سُجُودَ وَإِلَّا فَلَا (ش) لَمَّا ذَكَرَ السُّنَنَ الَّتِي يَفُوتُ تَدَارُكُهَا بِالرُّكُوعِ؛ لِأَنَّهُ رُكْنٌ عَقَدَ بَعْدَهَا وَكَانَ مِنْ السُّنَنِ الْجُلُوسُ الْأَوَّلُ وَالرُّكْنُ بَعْدَهُ الْقِيَامُ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يَفُوتُهُ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ رَجَعَ إلَخْ وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ تَرَكَ الْجُلُوسَ الْأَوَّلَ سَهْوًا فَذَكَرَهُ بَعْدَ أَنْ فَارَقَ الْأَرْضَ بِيَدَيْهِ دُونَ رُكْبَتَيْهِ أَوْ بِرُكْبَتَيْهِ دُونَ يَدَيْهِ أَوْ فَارَقَ بِيَدَيْهِ وَرُكْبَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ بِرُكْبَتَيْهِ وَيَدٍ وَاحِدَةٍ أَوْ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ وَرُكْبَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَبْقَى فِي الْأَرْضِ إحْدَى الْيَدَيْنِ فَقَطْ أَوْ إحْدَى الرُّكْبَتَيْنِ فَقَطْ فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيمَا ذُكِرَ الرُّجُوعُ لِيَأْتِيَ بِهِ مَعَ التَّشَهُّدِ وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ فِي تَزَحْزُحِهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّزَحْزُحَ الْمَذْكُورَ لَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ.
وَمَا لَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ لَا سُجُودَ فِي سَهْوِهِ قَالَهُ فِي تَوْضِيحِهِ فَإِنْ تَمَادَى وَلَمْ يَرْجِعْ لَمْ تَبْطُلْ فِي السَّهْوِ وَيَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ وَيَجْرِي الْعَامِدُ عَلَى تَرْكِ السُّنَنِ مُتَعَمِّدًا وَالْمَشْهُورُ إلْحَاقُ الْجَاهِلِ بِالْعَامِدِ انْتَهَى فَإِنْ فَارَقَ الْأَرْضَ بِيَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ مَعًا ثُمَّ تَذَكَّرَ فَلَا يَرْجِعُ إنْ اسْتَقَلَّ اتِّفَاقًا وَكَذَا إنْ لَمْ يَسْتَقِلَّ عَلَى الْمَشْهُورِ وَيَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَ الرُّجُوعِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَرَجَعَ تَارِكُ الْجُلُوسِ إلَخْ السُّنِّيَّةُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ تَعَمُّدَ تَرْكِ الْجُلُوسِ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَعَلَى مُقَابِلِهِ الْوُجُوبُ وَقَوْلُهُ الْجُلُوسُ الْأَوَّلُ أَوْ التَّشَهُّدُ مِنْهُ وَالْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ غَيْرُ جُلُوسِ السَّلَامِ لِيَشْمَلَ الْأَوَّلَ وَغَيْرَهُ مَا عَدَا جُلُوسَ السَّلَامِ، وَقَوْلُهُ الْأَرْضُ أَوْ السَّرِيرُ وَاقْتَصَرَ عَلَى الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهَا الْغَالِبُ وَقَوْلُهُ وَإِلَّا فَلَا تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ ص (وَلَا تَبْطُلُ إنْ رَجَعَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَقْصِدِ فَلَوْ خَالَفَ وَأَحْرَمَ مِنْ قِيَامٍ فَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْبُطْلَانِ مُرَاعَاةً لِمَنْ يَقُولُ يُحْرِمُ قَائِمًا.
{تَنْبِيهٌ} : لَا يُكَبِّرُ لِجُلُوسِهِ لِلْإِحْرَامِ وَإِنَّمَا يَجْلِسُ بِغَيْرِ تَكْبِيرٍ فَإِذَا جَلَسَ كَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ ثُمَّ يَقُومُ بِالتَّكْبِيرِ الَّذِي يَفْعَلُهُ مَنْ فَارَقَ الصَّلَاةَ مِنْ اثْنَتَيْنِ (قَوْلُهُ عَلَى ظَاهِرِ قَوْلِ ابْنِ يُونُسَ) هَذَا الظَّاهِرُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ بَلْ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ سَلَّمَ مِنْ اثْنَتَيْنِ وَأَمَّا إنْ سَلَّمَ مِنْ وَاحِدَةٍ أَوْ مِنْ ثَلَاثٍ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى حَالِ رَفْعِهِ مِنْ السُّجُودِ وَيُحْرِمُ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهَا الْحَالَةُ الَّتِي فَارَقَهَا فِيهَا وَلَا يَجْلِسُ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ تَذَكَّرَ وَهُوَ قَائِمٌ أَوْ تَذَكَّرَ وَهُوَ جَالِسٌ.
(قَوْلُهُ وَأَمَّا مَنْ تَذَكَّرَ وَهُوَ جَالِسٌ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ عَلَى مَا قَرَّرْنَا مِنْ الْمُعْتَمَدِ يُرَادُ بِالْجُلُوسِ مَا عَدَا الْقِيَامَ فَيَشْمَلُ حَالَةَ الرَّفْعِ مِنْ السُّجُودِ فِي الْوَاحِدَةِ وَالثَّالِثَةِ وَإِلَّا أَشْكَلَ حِكَايَةُ الِاتِّفَاقِ.

(قَوْلُهُ وَأَعَادَ تَارِكُ السَّلَامِ التَّشَهُّدَ) أَيْ: عَلَى طَرِيقِ السُّنَّةِ (قَوْلُهُ إلَى أَنَّ ذَلِكَ) أَيْ: الْمَقُولَ فِي مَقَامِ ذَلِكَ إلَخْ (قَوْلُهُ يَرْجِعُ بِإِحْرَامٍ) بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ الْقَائِلِ بِالْخُرُوجِ بِكُلِّ مُنَافٍ وَمِنْ جُمْلَتِهِ الطُّولُ الْمُتَوَسِّطُ وَمُفَارَقَةُ الْمَوْضِعِ.
(قَوْلُهُ لَكِنْ انْحَرَفَ عَنْ الْقِبْلَةِ) أَيْ: كَثِيرًا الَّذِي يُبْطِلُ عَمْدُهُ؛ لِأَنَّ مَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ يَسْجُدُ لِسَهْوِهِ، وَأَمَّا يَسِيرًا فَلَا كَمَنْ لَمْ يَنْحَرِفْ فَلَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ وَلَا يَسْجُدُ لِسَهْوِهِ (قَوْلُهُ اتِّكَالًا عَلَى الْعُمُومِ السَّابِقِ) فِيهِ شَيْءٌ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْإِحْرَامَ فِيمَا إذَا تَرَكَ رُكْنًا يَعْقُبُهُ سَلَامٌ وَحَمْلُهُ عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ فِيهِ بُعْدٌ.

(قَوْلُهُ وَإِلَّا فَلَا) وَهَلْ يَحْرُمُ وَرُبَّمَا يَقْتَضِيه نَقْلُ الْمَوَّاقِ أَوْ يُكْرَهُ (قَوْلُهُ وَأَبْقَى فِي الْأَرْضِ إحْدَى الْيَدَيْنِ فَقَطْ) هَذَا فِيمَا إذَا فَارَقَ بِرُكْبَتَيْهِ وَيَدٍ وَاحِدَةٍ (قَوْلُهُ أَوْ إحْدَى الرُّكْبَتَيْنِ) هَذَا فِيمَا إذَا فَارَقَ بِيَدَيْهِ وَإِحْدَى رُكْبَتَيْهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ أَوْ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ وَرُكْبَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَدْ تَرَكَ فِيهِ يَدًا وَاحِدَةً وَرُكْبَةً وَاحِدَةً مَعًا.
(قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ إلَخْ) بَلْ الظَّاهِرُ السُّنَّةُ مُطْلَقًا وَبَعْدَ ذَلِكَ يَجْرِي عَلَى قَاعِدَةِ الْبَابِ هَلْ تَرْكُ السُّنَّةِ عَمْدًا مُبْطِلٌ أَمْ لَا خِلَافٌ وَالْوَسِيلَةُ تُعْطِي حُكْمَ مَقْصِدِهَا.
{تَنْبِيهٌ} : إنَّمَا لَمْ يَرْجِعْ لِلسُّورَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ الرُّكُوعِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى فَرْضِيَّتِهِ بِخِلَافِ قِيَامِهِ قَبْلَ التَّشَهُّدِ لِلْفَاتِحَةِ فَإِنَّهَا غَيْرُ مُتَّفَقٍ عَلَى فَرْضِيَّتِهَا بِكُلِّ رَكْعَةٍ

الصفحة 338