كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 1)

فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ فَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ مُطْلَقًا أَيْ: سَوَاءٌ عَقَدَ الْخَامِسَةَ أَمْ لَا وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَدْخُلَ الْفَرْضَ فِي الْإِطْلَاقِ لِئَلَّا يُنَافِيَهُ، قَوْلُهُ وَسَجَدَ قَبْلَهُ إذْ الْفَرْضُ إذَا رَجَعَ بَعْدَ قِيَامِهِ لِلْخَامِسَةِ فَإِنَّمَا يَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ لِلزِّيَادَةِ الْمَحْضَةِ فَضَمِيرُ فِيهِمَا يَرْجِعُ لِلنَّفْلِ الْمُكَمِّلِ أَرْبَعًا وَلِمَنْ رَجَعَ فِيهِ مِنْ الْخَامِسَةِ عَقَدَهَا أَمْ لَا وَلَك أَنْ تُعَمِّمَ فِي الْإِطْلَاقِ وَتُخَصِّصَ، قَوْلُهُ وَسَجَدَ قَبْلَهُ فِيهِمَا أَيْ: فِي مَسْأَلَتَيْ النَّفْلِ فَقَطْ دُونَ الْفَرْضِ.

(ص) وَتَارِكِ رُكُوعٍ يَرْجِعُ قَائِمًا وَنُدِبَ أَنْ يَقْرَأَ (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ تَرَكَ الرُّكُوعَ فِي صَلَاةٍ فَلَمْ يَذْكُرْهُ سَجَدَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ لَهُ قَائِمًا لِيَنْحَطَّ لَهُ مِنْ قِيَامٍ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ مُحْدَوْدِبًا وَعَلَى الْمَشْهُورِ فَيُنْدَبُ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ قَبْلَ انْحِطَاطِهِ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ مِنْ فَاتِحَةٍ أَوْ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ شَأْنَ الرُّكُوعِ أَنْ يَعْقُبَ قِرَاءَةً فَإِنْ رَجَعَ مُحْدَوْدِبًا - لَمْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِمَثَابَةِ مَنْ أَتَى بِالسَّجْدَتَيْنِ مِنْ جُلُوسٍ كَمَا ذَكَرَهُ ح، وَأَمَّا لَوْ تَرَكَ الرَّفْعَ مِنْ الرُّكُوعِ فَقَالَ مُحَمَّدٌ يَرْجِعُ إلَى الرُّكُوعِ مُحْدَوْدِبًا ثُمَّ يَرْفَعُ وَلَوْ رَجَعَ إلَى الْقِيَامِ مُعْتَدِلًا لَأَبْطَلَ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ يَرْجِعُ قَائِمًا كَالرُّكُوعِ وَكَأَنَّهُ رَأَى أَنَّ الْقَصْدَ مِنْ رَفْعِ الرُّكُوعِ أَنْ يَنْحَطَّ لِلسُّجُودِ مِنْ قِيَامٍ فَإِذَا رَجَعَ قَائِمًا وَانْحَطَّ لِلسُّجُودِ فَقَدْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ انْتَهَى وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا يَقْرَأُ فَلَعَلَّ الْمُؤَلِّفَ يَرَى رَأْيَ ابْنِ حَبِيبٍ فَاسْتَغْنَى بِذِكْرِ الرُّكُوعِ عَنْ ذِكْرِ الرَّفْعِ.

(ص) وَسَجْدَةً يَجْلِسُ لَا سَجْدَتَيْنِ (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ نَسِيَ سَجْدَةً وَاحِدَةً فَإِنَّهُ يَجْلِسُ لِيَأْتِيَ بِهَا مِنْ جُلُوسٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَرَكَةَ لِلرُّكْنِ مَقْصُودَةٌ بِخِلَافِ لَوْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ تَرَكَ السَّجْدَتَيْنِ بَعْدَ قِيَامِهِ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهِمَا مِنْ غَيْرِ جُلُوسٍ بَلْ يَنْحَطُّ لَهُمَا مِنْ قِيَامٍ كَمَنْ لَمْ يَنْسَهُمَا وَمُقْتَضَى التَّعْلِيلِ أَنَّهُ يَجْلِسُ لِتَرْكِ سَجْدَةٍ وَلَوْ كَانَ جَلَسَ أَوَّلًا وَتَقْيِيدُ التَّوْضِيحِ إنَّمَا يَأْتِي
ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّفْلِ فَثَمَّ مَنْ يَقُولُ فِي النَّفْلِ أَرْبَعٌ وَعِنْدَنَا اثْنَتَانِ فَهُوَ نَقْصُ السَّلَامِ مِنْ اثْنَتَيْنِ عِنْدَنَا حَالَ تَكْمِيلِهِ أَرْبَعًا وَلَا يُنْقَضُ بِأَنَّ السَّلَامَ فَرْضٌ وَلَا يَنْجَبِرُ بِالسُّجُودِ؛ لِأَنَّ رَعْيَ كَوْنِ النَّفْلِ أَرْبَعًا يَصِيرُ بِسَلَامِ الرَّكْعَتَيْنِ كَسُنَّةٍ وَأَمَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ فَوَجْهُهُ أَنَّهُ أَتَى بِنَقْصٍ وَزِيَادَةٍ وَالنَّقْصُ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَالزِّيَادَةُ وَاضِحَةٌ.
(قَوْلُهُ سَوَاءٌ عَقَدَ الْخَامِسَةَ أَمْ لَا) بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يُرَاعَى مِنْ الْخِلَافِ إلَّا مَا قَوِيَ وَاشْتَهَرَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَالْخِلَافُ فِي الْأَرْبَعِ قَوِيٌّ بِخِلَافِ غَيْرِهِ.

(قَوْلُهُ تَارِكُ رُكُوعٍ) يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ انْحِطَاطُهُ بِنِيَّةِ الرُّكُوعِ وَنَسِيَ الرُّكُوعَ بَعْدَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ مِنْ فَاتِحَةٍ أَوْ غَيْرِهَا) الصَّوَابُ أَنْ لَا يَقْرَأَ الْفَاتِحَةَ بَلْ يَقْرَأُ غَيْرَهَا لِئَلَّا يَلْزَمَ عَلَيْهِ تَكْرِيرُ الرُّكْنِ الْقَوْلِيِّ وَهُوَ لَا يُكَرِّرُ كَذَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الصَّغِيرُ وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الْحَطَّابِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ النَّقْلَ فَقَالَ مَا نَصُّهُ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْمَطْلُوبَ قِرَاءَةُ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ وَلَا يُنْدَبُ لَهُ إعَادَةُ الْفَاتِحَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. أَقُولُ ظَاهِرُهُ وَلَوْ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ مَعَ أَنَّهُمَا لَيْسَتَا مَحَلَّ سُورَةٍ.
(قَوْلُهُ فَإِنْ رَجَعَ مُحْدَوْدِبًا) أَيْ عَلَى الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ وَلَوْ رَجَعَ إلَى الْقِيَامِ مُعْتَدِلًا لَأَبْطَلَ) وَجْهُهُ أَنَّهُ رَأَى أَنَّ الرَّفْعَ مَقْصُودٌ لِذَاتِهِ وَبَعْدَ ذَلِكَ رَأَيْت فِي عب مَا نَصُّهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ هَذَا أَتَى بِزِيَادَةٍ بِخِلَافِ مَنْ رَجَعَ مُحْدَوْدِبًا فِي تَرْكِ الرُّكُوعِ وَحَاصِلُ مَا يُقَالُ أَنَّهُ يَخُصُّ قَوْلَهُ عَلَى هَذَا وَنُدِبَ أَنْ يَقْرَأَ بِالصُّبْحِ وَالْجُمُعَةِ وَبِأُولَتَيْ الرُّبَاعِيَّةِ وَالثُّلَاثِيَّةِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ بَعْدَ الِانْتِصَابِ قَائِمًا يَرْكَعُ ثُمَّ يَرْفَعُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ وَكَأَنَّهُ رَأَى إلَخْ وَلِذَلِكَ كَتَبَ شَيْخُنَا مَا نَصُّهُ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا يَقْرَأُ وَكَذَلِكَ لَا يَقْرَأُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ فِي أَنَّهُ يَرْجِعُ قَائِمًا؛ لِأَنَّهُ يَنْحَطُّ مِنْ قِيَامٍ لِلسُّجُودِ وَإِنَّمَا الْقِرَاءَةُ لِمَنْ تَرَكَ الرُّكُوعَ اهـ.
وَلَعَلَّ وَجْهَ ذَلِكَ الْقَوْلِ أَنَّهُ لَا يُقَالُ لِهَذَا رَفَعَ مِنْ الرُّكُوعِ.
(قَوْلُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ حَبِيبٍ) أَيْ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ يَخِرُّ سَاجِدًا بَعْدَ الرَّفْعِ لَا أَنَّهُ بَعْدُ يَرْكَعُ (قَوْلُهُ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا يَقْرَأُ) بَلْ وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ لَا يَقْرَأُ أَيْضًا (قَوْلُهُ فَاسْتَغْنَى بِذِكْرِ الرُّكُوعِ عَنْ ذِكْرِ الرَّفْعِ) أَيْ: فَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَتَارِكُ الرُّكُوعِ مَا يَشْمَلُ تَارِكَ الرَّفْعِ مِنْهُ وَيَخُصُّ قَوْلَهُ وَنُدِبَ أَنْ يَقْرَأَ بِحَالَةِ الرُّكُوعِ.

(قَوْلُهُ وَسَجْدَةٍ) عُطِفَ عَلَى رُكُوعٍ وَقَوْلُهُ يَجْلِسُ مَعْطُوفٌ عَلَى يَرْجِعُ الْوَاقِعُ خَبَرًا عَنْ الْمُبْتَدَأِ الَّذِي هُوَ تَارِكُ فَقَدْ عَطَفَتْ الْوَاوُ شَيْئَيْنِ وَصَحَّ هَذَا الْعَطْفُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَتَارِكُ أَيْ: وَمُصَلٍّ تَارِكٌ وَهُوَ شَامِلٌ لِكُلِّ مُصَلٍّ كَذَلِكَ إذْ هُوَ اسْمُ جِنْسٍ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْعَطْفِ عَلَى مَعْمُولَيْ عَامِلٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَ الْعَمَلُ مُخْتَلِفًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّغَايُرَ بِالِاعْتِبَارِ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ التَّغَايُرِ بِالذَّاتِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ حَذْفِ الْمُضَافِ وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إلَيْهِ بَاقِيًا عَلَى جَرِّهِ وَقَدْ وُجِدَ شَرْطُ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ الْمَحْذُوفَ الْمَعْطُوفَ لَفْظُ تَارِكٍ وَهُنَا الْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ لَفْظُ تَارِكٍ.
(قَوْلُهُ نَسِيَ سَجْدَةً) أَيْ: تَذَكَّرَهَا وَلَمْ يَعْقِدْ الَّتِي تَلِيَهَا (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَجْلِسُ لِيَأْتِيَ بِهَا مِنْ جُلُوسٍ) فَلَوْ لَمْ يَجْلِسْ فَالظَّاهِرُ الْبُطْلَانُ؛ لِأَنَّ الْجُلُوسَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فَرْضٌ كَذَا فِي ك.
(قَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَرَكَةَ لِلرُّكْنِ مَقْصُودَةٌ) أَرَادَ بِالرُّكْنِ السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ قَصْدَ الثَّانِيَةِ يَتَحَقَّقُ وَلَوْ أَتَى بِهَا مِنْ قِيَامٍ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ قَصْدَ الثَّانِيَةِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا ثَانِيَةً إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِقَصْدِ الْإِتْيَانِ بِهَا مِنْ جُلُوسٍ.
(قَوْلُهُ بِخِلَافِ لَوْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ تَرَكَ السَّجْدَتَيْنِ إلَخْ) مَفْهُومُهُ لَوْ ذَكَرَ السَّجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ فَإِنَّهُ يَقُومُ لِيَأْتِيَ بِالسَّجْدَتَيْنِ مُنْحَطًّا لَهُمَا مِنْ قِيَامٍ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَسَجَدَهُمَا مِنْ جُلُوسٍ سَهْوًا سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ لِنَقْصِ الِانْحِطَاطِ لَهُمَا فَالِانْحِطَاطُ لَهُمَا غَيْرُ وَاجِبٍ وَإِلَّا لَمْ يُجْبَرْ بِسُجُودِ السَّهْوِ وَيُكْرَهُ تَعَمُّدُ ذَلِكَ أَقُولُ كَوْنُهُ يُكْرَهُ التَّعَمُّدُ وَفِي حَالَةِ السَّهْوِ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ إنَّمَا يَكُونُ لِنَقْصِ سُنَّةٍ مُؤَكَّدَةٍ وَتَرْكُهَا عَمْدًا يُؤْثِمُ لَا يُكْرَهُ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي الْقَائِلِ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَتَقْيِيدُ التَّوْضِيحِ) أَيْ: أَنَّهُ قَيَّدَ فِي تَوْضِيحِهِ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ جَلَسَ أَوَّلًا وَإِلَّا لَخَرَّ بِغَيْرِ جُلُوسٍ اتِّفَاقًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَرَكَةَ لِلرُّكْنِ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ يُقَالُ لَا فَائِدَةَ فِي الْجُلُوسِ أَوَّلًا وَلَا مَعْنَى لِلتَّقْيِيدِ وَلَا لِحِكَايَةِ الِاتِّفَاقِ

الصفحة 340