كتاب المدخل إلى الصحيح للحاكم - ط دار الإمام أحمد (اسم الجزء: 1)
تخشى أن يكون هؤلاء الذين تذكر حديثهم خصماؤك عند الله يوم القيامة؟ فقال: لأن يكون هؤلاء خصمائي أحب إلي من أن يكون خصمي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لم حدثت عني حديثًا ترى أنه كذب.
وأخبرني فقيه من فقهائنا عن أبي علي الحسين بن محمد الماسرجسي -رحمنا الله وإياه- أنه قال: ((قد بلغ رواة الحديث في كتاب التاريخ لمحمد بن إسماعيل قريبًا من أربعين ألف رجل وامرأة، والذي يصح حديثهم من جملتهم هم الثقات الذين أخرجهم البخاري ومسلم بن الحجاج ولا يبلغ عددهم أكثر من ألفي رجل وامرأة)).
فلم يعجبني ذلك منه -رحمه الله وإيانا-، لأن جماعة من المبتدعة والملحدة يشمتون برواة الآثار بمثل هذا القول، إذا روي عن رجل من أهل الصنعة.
فقلت -والله الموفق-: إن محمد بن إسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج شرط كل واحد منهما لنفسه في الصحيح شرطًا احتاط فيه لدينه.
فأما مسلم فقد ذكر في خطبته في أول الكتاب قصده فيما صنفه ونحا نحوه وإنه عزم على تخريج الحديث على ثلاث طبقات من الرواة، فلم يقدر له رحمه الله إلا الفراغ من الطبقة الأولى منهم.
وأما محمد بن إسماعيل فإنه بالغ في الاجتهاد فيما خرجه وصححه ومتى قصد الفارس من فرسان أهل الصنعة أن يزيد على شرطه من الأصول أمكنه ذلك لتركه كل ما لم يتعلق بالأبواب التي بنى كتابه الصحيح عليها،