كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 1)

أُمِّ الْقُرْآنِ فَقَدْ فَاتَهُ خَيْرٌ كَثِيرٌ) .

مَا جَاءَ فِي دُلُوكِ الشَّمْسِ وَغَسَقِ اللَّيْلِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ دُلُوكُ الشَّمْسِ مَيْلُهَا) .

جَامِعُ الْوُقُوتِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الَّذِي تَفُوتُهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ» ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ فَقَدْ أَدْرَكَ الِاعْتِدَادَ بِالسَّجْدَةِ وَلَيْسَتْ فَضِيلَةُ مَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ دُونَ قِرَاءَةٍ كَفَضِيلَةِ مَنْ أَدْرَكَ الْقِرَاءَةَ مِنْ أَوَّلِهَا وَأَشَارَ مِنْ ذَلِكَ إلَى فَضِيلَةِ حُضُورِ قِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ لِأَنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ فَضِيلَةِ قِرَاءَةِ الرَّكْعَةِ.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ وَضَّاحٍ وَالدَّاوُدِيُّ إنَّ تِلْكَ الْفَضِيلَةَ قَوْلُ الْمَأْمُومِ آمِينَ عِنْدَ قَوْلِ الْإِمَامِ وَلَا الضَّالِّينَ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ لِلْإِمَامِ لَا تَسْبِقْنِي بِ آمِينَ فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ لِإِدْرَاكِ هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ الْقِرَاءَةِ مَزِيَّةً عَلَى غَيْرِهِ إلَّا أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ هَاهُنَا يَقْتَضِي أَنَّ الْفَضِيلَةَ الَّتِي أَدْرَكَ إنَّمَا هِيَ بِجَمِيعِ قِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ لِأَنَّ حُضُورَ قِرَاءَةِ جَمِيعِهَا فَضِيلَةٌ يَدْخُلُ فِيهَا فَضِيلَةُ إدْرَاكِ آمِينَ وَغَيْرِهَا وَفِي هَذَا الْأَثَرِ مَعْنًى آخَرُ وَهُوَ أَنَّ مَنْ جَاءَ فَوَجَدَ الْإِمَامَ رَاكِعًا كَبَّرَ وَرَكَعَ وَلَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَيَتْبَعُ الْإِمَامَ بَعْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ مِنْ الرُّكُوعِ وَلِذَلِكَ وَصَفَهُ بِأَنَّهُ قَدْ فَاتَهُ قِرَاءَةُ أُمِّ الْقُرْآنِ وَلَوْ كَانَ مِنْ حُكْمِهِ أَنْ يَقْرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ قَبْلَ اتِّبَاعِ الْإِمَامِ لَمَا وُصِفَ بِفَوَاتِ ذَلِكَ كَمَا لَا يُوصَفُ بِفَوَاتِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ.

[مَا جَاءَ فِي دُلُوكِ الشَّمْسِ وَغَسَقِ اللَّيْلِ]
(ش) : قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ حُجَّةٌ فِي اللُّغَةِ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ مَعَ مَا يَنْضَافُ إلَى ذَلِكَ مِنْ الْعِلْمِ بِالشَّرِيعَةِ وَصُحْبَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالدِّينِ وَالْوَرَعِ وَإِذَا كَانَ يُحْتَجُّ بِقَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ وَالنَّابِغَةِ فِي اللُّغَةِ فَبِأَنْ يُحْتَجَّ بِقَوْلِهِ أَوْلَى وَالْمَيْلُ بِتَسْكِينِ الْيَاءِ فِيمَا لَيْسَ بِخِلْقَةٍ ثَابِتَةٍ يُقَالُ مَالَتْ الشَّمْسُ مَيْلًا.
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} [النساء: 129] وَأَمَّا الْخَلْقُ وَالْأَجْسَامُ فَبِفَتْحِ الْيَاءِ يُقَالُ فِي أَنْفِهِ مَيَلٌ وَفِي الْحَائِطِ مَيَلٌ.
(ص) : (مَالِكٌ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ أَخْبَرَنِي مُخْبِرٌ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ دُلُوكُ الشَّمْسِ إذَا فَاءَ الْفَيْءُ وَغَسَقُ اللَّيْلِ اجْتِمَاعُ اللَّيْلِ وَظُلْمَتُهُ) .
(ش) : دُلُوكُ الشَّمْسِ وَاقِعٌ عَلَى كُلِّ مَيْلٍ لَهَا فَابْتِدَاءُ دُلُوكِهَا إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ وَهُوَ أَوَّلُ وَقْتِ الظُّهْرِ وَإِذَا فَاءَ الْفَيْءُ ذِرَاعًا وَهُوَ دُلُوكٌ أَيْضًا وَهُوَ عِنْدَ مَالِكٍ وَقْتُ إقَامَةِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسَاجِدِ وَبِذَلِكَ كَتَبَ عُمَرُ إلَى عُمَّالِهِ وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ وَهُوَ وَقْتُ الْعَصْرِ إلَى آخِرِ وَقْتِهَا دُلُوكٌ أَيْضًا وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ دُلُوكٌ أَيْضًا وَهُوَ حَدٌّ لِدُخُولِ وَقْتِ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَلِذَلِكَ رَوَى مُجَاهِدٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ دُلُوكُ الشَّمْسِ غُرُوبُهَا فَاسْمُ الدُّلُوكِ وَاقِعٌ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُعْتَقَدَ فِي الْآيَةِ أَنَّهَا تَتَنَاوَلُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ جِهَةِ الْعُمُومِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُعْتَقَدَ فِيهَا بَعْضُ ذَلِكَ إذَا دَلَّ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ وَغَسَقُ اللَّيْلِ اجْتِمَاعُ اللَّيْلِ وَظُلْمَتُهُ وَصَفَ اللَّيْلَ بِالِاجْتِمَاعِ وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ الْوَقْتُ وَلَا يُوصَفُ بِالِاجْتِمَاعِ وَإِنَّمَا يَجْتَمِعُ بِذَلِكَ ظَلَامُهُ وَقَوْلُهُ وَظُلْمَتُهُ عَطْفٌ عَلَى الِاجْتِمَاعِ وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ سَوَادُهُ.

[جَامِعُ الْوُقُوتِ]
(ش) : اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مَعْنَى الْفَوَاتِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ إنَّمَا ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ فِي الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ وَهُوَ إلَى أَنْ يَصِيرَ ظِلُّك مِثْلَيْك وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ الدَّاوُدِيُّ وَذَكَرَ سَحْنُونٌ فِي تَفْسِيرِ حَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ

الصفحة 21