كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 1)

(ص) : (مَالِكٌ مَنْ أَدْرَكَهُ الْوَقْتُ وَهُوَ فِي سَفَرٍ فَأَخَّرَ الصَّلَاةَ سَاهِيًا أَوْ نَاسِيًا حَتَّى قَدِمَ عَلَى أَهْلِهِ أَنَّهُ إنْ كَانَ قَدِمَ عَلَى أَهْلِهِ وَهُوَ فِي الْوَقْتِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي صَلَاةَ الْمُقِيمِ وَإِنْ كَانَ قَدِمَ وَقَدْ ذَهَبَ الْوَقْتُ فَلْيُصَلِّ صَلَاةَ الْمُسَافِرِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَقْتَضِي مِثْلَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا الْأَمْرُ الَّذِي أَدْرَكْت عَلَيْهِ النَّاسَ وَأَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا) .

(ص) : (وَقَالَ مَالِكٌ الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ الَّتِي فِي الْمَغْرِبِ فَإِذَا ذَهَبَتْ الْحُمْرَةُ فَقَدْ وَجَبَتْ صَلَاةُ الْعِشَاءِ وَخَرَجَتْ عَنْ وَقْتِ الْمَغْرِبِ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّمْسُ فَجَعَلَ قَوْلَ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَلَى فَوَاتِ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ وَكَأَنَّ هَذَا يَنْحُو إلَى تَأْوِيلِ ابْنِ وَهْبٍ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(ش) : قَوْلُهُ مَنْ أَدْرَكَهُ الْوَقْتُ فَأَخَّرَ الصَّلَاةَ سَاهِيًا أَوْ نَاسِيًا السَّهْوُ الذُّهُولُ عَنْ الشَّيْءِ تَقَدَّمَهُ ذِكْرٌ أَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ وَأَمَّا النِّسْيَانُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَتَقَدَّمَهُ الذِّكْرُ فَمَعْنَى قَوْلِهِ هَذَا مَنْ غَفَلَ عَنْ الصَّلَاةِ فَلَمْ يَذْكُرْهَا فِي الْوَقْتِ جُمْلَةً أَوْ غَفَلَ عَنْهَا بَعْدَ أَنْ ذَكَرَهَا فَحُكْمُهُ مَا ذُكِرَ وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ يَأْتِيَ بِاللَّفْظَيْنِ لِاخْتِلَافِهِمَا وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُمَا وَاحِدًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} [الحجر: 30] وَإِنَّمَا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةَ الْحَضَرِ إذَا قَدِمَ عَلَى أَهْلِهِ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ مُؤَدِّيًا لَهَا فِي وَقْتِهَا فِي الْحَضَرِ وَقَدْ كَانَ الْمُصَلِّي مُخَيَّرًا بَيْنَ أَدَاءِ الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَفِي وَسَطِهِ وَآخِرِهِ فَلَمَّا لَمْ يُصَلِّ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَلَا فِي وَسَطِهِ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ فِي آخِرِهِ وَكَانَ ذَلِكَ وَقْتَ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ وَهُوَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ أَهْلِ الْحَضَرِ فَوَجَبَتْ عَلَيْهِ حَضَرِيَّةً وَكَذَلِكَ لَوْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فِي الْحَضَرِ سَاهِيًا أَوْ نَاسِيًا وَسَافَرَ فِي بَقِيَّةٍ مِنْ وَقْتِهَا فَإِنَّهُ يُصَلِّيهَا سَفَرِيَّةً هَذَا قَوْلُ جَمَاعَةِ الْفُقَهَاءِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ فَرْضُهُ الْإِتْمَامُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء: 101] وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ آخِرِ الْوَقْتِ وَأَوَّلِهِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي صِفَتِهَا بِوَقْتِ وُجُوبِهَا وَوَقْتُ الْوُجُوبِ مِنْ وَقْتِهَا غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَلَهُ تَعْيِينُهُ فِي أَيِّ جُزْءٍ شَاءَ مِنْهُ وَالتَّعْيِينُ إنَّمَا يَكُونُ بِالْفِعْلِ دُونَ النِّيَّةِ وَالْقَوْلِ فَإِذَا أَخَّرَهَا حَتَّى سَافَرَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ فَقَدْ عَيَّنَ وَقْتَ الْوُجُوبِ فِيهِ وَهُوَ فِي حَالِ سَفَرِهِ فَلَزِمَتْهُ سَفَرِيَّةٌ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَالْمِقْدَارُ الَّذِي يُرَاعِي مَنْ أَدْرَكَ الْوَقْتَ فِي ذَلِكَ رَكْعَةٌ مِنْ الصَّلَاةِ الْمَنْسِيَّةِ فَإِنْ كَانَتْ الْعَصْرَ فَمِقْدَارُ رَكْعَةٍ وَإِنْ كَانَتْ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ فَمِقْدَارُ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ فَأَكْثَرَ لِأَنَّهُ يُصَلِّي الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَتَبْقَى رَكْعَةُ الْعَصْرِ وَإِنْ كَانَتْ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ فَمِقْدَارُ رَكْعَةٍ فَأَكْثَرُ وَإِنْ كَانَتْ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي هَذَا الْأَصْلِ إذَا خَرَجَ لِمِقْدَارِ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ فَعَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ يُصَلِّي الْعِشَاءَ سَفَرِيَّةً وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ يُصَلِّيهَا حَضَرِيَّةً.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَإِنْ كَانَ قَدِمَ وَقَدْ ذَهَبَ الْوَقْتُ فَلْيُصَلِّ صَلَاةَ الْمُسَافِرِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَقْضِي مِثْلَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَقْضِيهَا حَضَرِيَّةً وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذِهِ صَلَاةٌ مَقْضِيَّةٌ فَوَجَبَ أَنْ تُقْضَى عَلَى حَسَبِ مَا تُؤَدَّى عَلَيْهِ مِنْ قَصْرٍ أَوْ إتْمَامٍ أَصْلُهُ إذَا نَسِيَهَا فِي الْحَضَرِ ثُمَّ ذَكَرَهَا فِي السَّفَرِ.
(فَرْعٌ) قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي إشْرَافِهِ مَنْ نَسِيَ صَلَاةً سَفَرِيَّةً فَذَكَرَهَا فِي الْحَضَرِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقْضِيَهَا سَفَرِيَّةً فَإِنْ أَتَمَّهَا كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ وَجَازَ وَمَنْ رَأَى مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْقَصْرَ فَرْضُ الْمُسَافِرِ قَالَ يَجِبُ قَصْرُهَا وَأَمَّا إذَا ذَكَرَهَا فِي السَّفَرِ فَإِنَّهُ يَقْضِيهَا سَفَرِيَّةً فَجَعَلَ لِذِكْرِهَا فِي الْحَضَرِ تَأْثِيرًا وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(ش) : قَوْلُهُ الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَوْلُهُ بَعْدَ هَذَا إنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ يَخْرُجُ بِمَغِيبِ الشَّفَقِ تَصْرِيحٌ مِنْهُ بِأَنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ مُمْتَدٌّ كَسَائِرِ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَأَنَّهُ يَنْتَهِي إلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ إنَّ مَعْنَى ذَلِكَ فِي الْمُسَافِرِ الَّذِي يُجِدُّ بِهِ السَّيْرُ وَيُرِيدُ الْجَمْعَ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ وَهَذَا عُدُولٌ مِنْهُ عَنْ الظَّاهِرِ مَعَ أَنَّهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذُكِرَ إلَّا فِي الْوَقْتِ

الصفحة 23