كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 1)

«إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي وَضُوئِهِ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» ) .

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ إذَا نَامَ أَحَدُكُمْ مُضْطَجِعًا فَلْيَتَوَضَّأْ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQ [وُضُوءُ النَّائِمِ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ]
(ش) : اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي سَبَبِ غَسْلِ الْيَدِ لِمَنْ قَامَ مِنْ النَّوْمِ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي وَاضِحَتِهِ إنَّمَا أَمَرَ بِذَلِكَ لِمَا لَعَلَّهُ أَنْ يَنَالَ بِهِ مَا قَدْ يَبِسَ مِنْ نَجَاسَةٍ خَرَجَتْ مِنْهُ لَا يَعْلَمُ بِهَا أَوْ غَيْرِ نَجَاسَةٍ مِمَّا يُتَقَذَّرُ وَقِيلَ أَيْضًا إنَّمَا ذَلِكَ لِأَنَّ أَكْثَرَهُمْ كَانَ يَسْتَجْمِرُ بِالْحِجَارَةِ فَقَدْ يَمَسُّ بِيَدَيْهِ أَثَرَ النَّجَاسَةِ وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ لَيْسَتْ بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّ النَّجَاسَاتِ لَا تَخْرُجُ مِنْ الْجَسَدِ فِي الْغَالِبِ إلَّا بِعِلْمِ مَنْ تَخْرُجُ مِنْهُ وَمَا لَا يَعْلَمُ بِهِ فَلَا حُكْمَ لَهُ وَكَذَلِكَ مَوْضِعُ الِاسْتِجْمَارِ لَا تَنَالُهُ يَدُ النَّائِمِ إلَّا مَعَ الْقَصْدِ لِذَلِكَ وَلَوْ كَانَ غَسْلُ الْيَدِ بِتَجْوِيزِ ذَلِكَ لَأَمَرَ بِغَسْلِ الثِّيَابِ الَّتِي يَنَامُ فِيهَا لِجَوَازِ أَنْ تَخْرُجَ النَّجَاسَةُ مِنْهُ فِي نَوْمِهِ فَتَنَالَ ثَوْبَهُ أَوْ لِجَوَازِ أَنْ يَمَسَّ ثَوْبُهُ مَوْضِعَ الِاسْتِجْمَارِ وَهَذَا بَاطِلٌ وَالْأَظْهَرُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ شُيُوخُنَا الْعِرَاقِيُّونَ مِنْ الْمَالِكِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ النَّائِمَ لَا يَكَادُ أَنْ يَسْلَمَ مِنْ حَكِّ جَسَدِهِ وَمَوْضِعِ بَثْرَةٍ فِي بَدَنِهِ وَمَسِّ رَفْغِهِ وَإِبِطِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَغَابِنِ جَسَدِهِ وَمَوَاضِعِ عَرَقِهِ فَاسْتُحِبَّ لَهُ غَسْلُ يَدِهِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي وَضُوئِهِ عَلَى مَعْنَى التَّنَطُّفِ وَالتَّنَزُّهِ وَلَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي إنَائِهِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَهَا لَمَا أَثِمَ خِلَافًا لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي قَوْلِهِ غَسْلُ الْيَدَيْنِ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا فِي الْإِنَاءِ وَاجِبٌ إذَا قَامَ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ دُونَ نَوْمِ النَّهَارِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذِهِ طَهَارَةٌ عَقِيبَ نَوْمٍ فَاسْتُحِبَّ غَسْلُ الْيَدِ قَبْلَهَا أَصْلُ ذَلِكَ الطَّهَارَةُ عَقِيبَ نَوْمِ اللَّيْلِ وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ الْأَمْرِ الْوُجُوبَ فَإِنَّهُ قَدْ اقْتَرَنَ بِهِ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ النَّدْبُ دُونَ الْوُجُوبِ لِأَنَّهُ قَالَ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ فَعَلَّلَ بِالشَّكِّ وَلَوْ شَكَّ هَلْ مَسَّتْ يَدُهُ نَجَسًا أَمْ لَا لَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ غَسْلُ يَدِهِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَتَعْلِيقُ هَذَا الْحُكْمِ بِنَوْمِ اللَّيْلِ لَا يَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِهِ لِأَنَّ النَّائِمَ إنْ كَانَ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ فَكَذَلِكَ الْمَجْنُونُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ مَنْ قَامَ إلَى وُضُوءٍ مِنْ بَائِلٍ أَوْ مُتَغَوِّطٍ أَوْ مُحْدِثٍ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ غَسْلُ يَدِهِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي إنَائِهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِأَنَّ الْمُسْتَيْقِظَ لَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ مِنْ مَسِّ رَفْغِهِ وَنَتْفِ إبِطِهِ وَفَتْلِ مَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْفِهِ وَقَتْلِ بُرْغُوثٍ وَعَصْرِ بَثْرٍ وَحَكِّ مَوْضِعِ عَرَقٍ وَإِذَا كَانَ هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي شُرِعَ لَهُ غَسْلُ الْيَدِ مَوْجُودًا فِي الْمُسْتَيْقِظِ لَزِمَهُ ذَلِكَ الْحُكْمُ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ أَنْ يَكُونَ عُلِّقَ فِي الشَّرْعِ عَلَى النَّائِمِ أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّرْعَ عَلَّقَهُ عَلَى نَوْمِ الْمَبِيتِ وَلَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ مِنْ أَنْ يَتَعَدَّى إلَى نَوْمِ النَّهَارِ لَمَّا تَسَاوَيَا فِي عِلَّةِ الْحُكْمِ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
مَنْ غَسَلَ يَدَهُ قَبْلَ وُضُوئِهِ ثُمَّ شَرَعَ فِي وُضُوئِهِ فَأَحْدَثَ فِي أَثْنَاءِ وُضُوئِهِ وَلَزِمَهُ اسْتِئْنَافُهُ فَهَلْ عَلَيْهِ غَسْلُ يَدِهِ ثَانِيَةً فِي اسْتِفْتَاحِ وُضُوئِهِ أَمْ لَا رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ يُعِيدُ غَسْلَ يَدَيْهِ وَهَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ أَيْضًا رِوَايَةً أُخْرَى لَا يُعِيدُ غَسْلَ يَدَيْهِ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَشْهَبَ وَيَحْيَى بْنِ يَحْيَى فَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ الطَّهَارَةَ مَتَى شُرِعَتْ لِلنَّظَافَةِ ثُمَّ دَخَلَهَا أَحْكَامُ الْعِبَادَةِ الْمَحْضَةِ لِتَأَكُّدِهَا غَلَبَ عَلَيْهَا حُكْمُ الْعِبَادَةِ الْمَحْضَةِ لَمْ يُرَاعَ فِيهَا وَيَعُودُ سَبَبُهَا كَغُسْلِ الْجُمُعَةِ أَصْلُهُ إزَالَةُ الرَّائِحَةِ فَلَمَّا دَخَلَتْ أَحْكَامُ الْعِبَادَةِ الْمَحْضَةِ مِنْ اعْتِبَارِ الْعَدَدِ لَزِمَهُ الْإِتْيَانُ بِهِ وَإِنْ عُدِمَتْ الرَّائِحَةُ فَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا لَمَّا دَخَلَهُ مَا يَخْتَصُّ بِالْعِبَادَةِ الْمَحْضَةِ مِنْ اعْتِبَارِ الْعَدَدِ لَزِمَ الْإِتْيَانُ بِهَا وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ سَبَبُهَا.

(ش) : وُجُوبُ الْوُضُوءِ عَلَى النَّائِمِ الْمُضْطَجِعِ مِنْ بَابِ نَوَاقِضِ الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ لَا خِلَافَ فِيهَا فِي الْمَذْهَبِ ذَهَابُ عَقْلٍ وَخَارِجٌ وَمُلَامَسَةٌ فَأَمَّا ذَهَابُ الْعَقْلِ فَهُوَ النَّوْمُ وَمَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْإِغْمَاءِ وَالسُّكْرِ وَالْجُنُونِ وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِ الْوُضُوءِ مِنْ النَّوْمِ فِي الْجُمْلَةِ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] الْآيَةَ وَهَذَا قَائِمٌ إلَى الصَّلَاةِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى

الصفحة 48