كتاب الموازنة بين شعر أبي تمام والبحتري (اسم الجزء: 1)

فعذر [عيناً] (1) ولام أخرى:
وقال بعض المتأخرين (2):
لا جزى الله دمع عيني خيراً ... وجزى الله كل خير لساني
كنت مثل الكتاب أخفاه طي ... فاستدلوا عليه بالعنوان
فلام هذا دمعه؛ لأنه فضحه، كما لام ذلك عينه، وما علمنا أحداً لام البكاء، ومعنى ذلك مفهوم؛ لأن البكاء قد جعل فعلاً للعين على المجاز، والسيلان فعل الدمع، فيقال: بكت عيني، وسال دمعي، فإذا لمنا العين على بكاءها، ولمنا الدمع على انحداره؛ كان ذلك حسناً جميلاً، لأنا إنما لمنا فاعلاً على فعله، كما نلوم الفاعل الذي فعله حقيقة على فعله، ولكن لا نلوم فعله؛ لأنا إذا لمنا الباكي على أن فعل البكاء، فنلوم البكاء على أن فعل ماذا؟
فإن قيل: على أن كثر واتصل منه.
قيل: فهل سمعت أحداً قط قال: يا بكاء لم كثرت، ولم اتصلت؟
كما يقال يا عين لم بكيت؟ فإني ما أظن أن أحداً يقدر أن يقول: إنه سمع بهذا، وذلك أن الإكثار والاتصال إنما هما حركات الفاعل بالفعل، فالباكي هو الذي أكثر البكاء وواصله، لا أن البكاء فعل ذلك بنفسه.
فالمجاز لا يتسع لأن نلوم البكاء كما نلوم العين، ولا أن نلوم انحدار الدمع كما نلوم الدمع، ولا تنتهي الاستعارة إلى هذا الموضع.
ولو حملنا البكاء الذي هو فعل الفاعل على المجاز فلمناه كما نلوم الباكي، لحسن أيضاً أن نلوم الجزع كما نلوم الجازع، ونلوم الغضب

الصفحة 551