كتاب الموازنة بين شعر أبي تمام والبحتري (اسم الجزء: 1)

كما نلوم الغضبان، ونلوم الضحك الذي هو ضد البكاء كما نلوم البكاء.
وما أكثر ما تحمل الأشياء على أضدادها، وما علمت مثل هذا جرى في توسع ولا مجاز: لأن «لمت» ليس هذا موضعها، وإنما هو موضع أحمدت، وذممت [وكرهت] (1) وأنكرت، وأشباهها، وهذه حقائق (2) وليس كل شيء يحمل على المجازات.
فإن استجزنا أن نلوم البكاء فينبغي أن نلوم أيضاً الضرب، والقتل، والقيام، والقعود، والركوب، والنزول، والأكل، والشرب، وسائر أفعال الفاعلين، ونعذلها أيضاً، ونوبخها؛ لأن العذل والتوبيخ في معنى اللوم.
ونلوم أيضاً النحيب، والشهيق، والزفير، والنشيج كما نلوم البكاء.
وإذا لمنا أيضاً اليد على أن لم يشتد قبضها على الشيء مجازاً لمنا القبض أيضاً مجازاً، وكذلك الرجل إن لمناها على أن عجزت عن المشي، لمنا المشي أيضاً، وعنفناه، وركبنا مجازاً على مجاز، وتوسعاً على توسع.
وهذا ما لم يسمع بمثله في لغة من اللغات.
فعلى كل الأحوال حمل بيت البحتري على القلب الذي قد استعملته العرب في مجازاتها، ونطق به القرآن بوجه منه حسن، وسطره أهل العلم بكلام العرب في كتبهم أولى من حمله على وجه غير مستعمل، ولا معروف، ولا سائغ.
وقد قال المبرد: إن العرب كانت تستعمل القلب لاختصار الكلام، وإقامة الأوزان، وإصلاح القوافي (3)، وأنشد للفرذدق يصف ذئباً:

الصفحة 552