كتاب الموازنة بين شعر أبي تمام والبحتري (اسم الجزء: 1)

وأنشد أبو مسحل:
سقى الله من يسقي حمامة دارها ... على فرضة من ماء شرب يقومها (1)
أراد يقوم عليها، وقال: يقال: قام فلان اليوم الماء بين القوم، إذا قسمه بينهم، ومعناه قام على الماء، فلما حذف «على» نصب.
فكذلك قول البحتري: ما لمت فيه البكاء، أي على البكاء.
والوجه الآخر: أن يكون أراد: لا تلمني على البكاء فإني ذو حزن ما لمت فيه ذوي البكاء، وأهل البكاء، فأسقط المضاف فوصل الفعل إلى البكاء فنصبه، وذلك على عادة العرب المستمرة في حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، ومنه قوله تعالى: "فليدع ناديه" (2) أي أهل ناديه، "واسأل القرية" (3) أي أهل القرية، وقول مهلهل:
* واستب بعدك يا كليب المجلس (4) *
أي أهل المجلس، وقول الله تعالى: "ولكن البر من آمن بالله" (5) أي بر من آمن بالله، وقوله تعالى جده: "إذاً لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات" (6) أي ضعف عذاب الحياة، وضعف عذاب الممات.
وأوكد من ذلك كله قول الله تعالى: "وأشربوا في قلوبهم العجل" (7).
أي حب العجل.
وكذلك قول البحتري: لا تلمني على البكاء فإني ما لمت في هذا الحزن ذو بكاء، أو أهل البكاء، وأسقط «أهل» وأقام البكاء مقامه.

الصفحة 555