كتاب الموازنة بين شعر أبي تمام والبحتري (اسم الجزء: 1)

وهذا يستوي فيه القدماء والمتأخرون جميعاً؛ لأنه خارج عن الضرورة.
فهذان وجهان في غاية القوة والصحة، والمعنى: لا تلمني على البكاء؛ فإني ما لمت في هذا الشجو باكياً، لأنه يحق في مثله البكاء، لعظم تأثيره في النفس، وتخونه (1) للجلد، وذهابه بالصبر، ونحو هذا.
وقوله بعده:
كيف أغدو من الصبابة خلواً ... بعد ما راحت الديلر خلاء
أي لا تلمني على البكاء؛ فإني [إن] (2) لم أبك وقد خلت الديار من أهلها فلست ذا صبابة، يقول: إنه يكون إن لم يبك والخلي الذي ليس في قلبه هوى، بمنزلة واحدة، وإذا خفف البكاء من صبابته فقد قضى حق المحبة على كل حال.
... وقال البحتري أيضًا:
أحرى الخطوب بأن يكون عظيماً ... قول الجهول: ألا تكون حليما (3)
قبحت من جزع الشجى محسناً ... ومدحت من صبر الخلى ذميما
وقال أيضاً:
ماذا عليك من انتظار متيم ... بل ما تضرك وقفة في منزل (4)
إن قيل عي عن الجواب فلم يطق ... رجعاً فكيف يكون إن لم يسأل
لا تكلفن لي الدموع فإن لي ... دمعاً يتم علي إن لم يفضل (5)

الصفحة 556