كتاب مجلة «الزهور» المصرية (اسم الجزء: 1)

تتغير باريس ما بين غمضة عين وانتباهتها: هكذا ينبغي أن تكون. . . للجمال فيها كل آونة شأن جديد الجمال فها موضة فلو تأملوا إحدى فاتناتها، لألفوها صباحاً كالخوخة كللها الندى، وفاح لها شذا. ولرأوها ظهراً، وقد تمشت فيها حرارة الشمس حتى لتجانبها الشفاه إشفافاً، بعد إذ تطامنها لثماً. ولوجدوها مساءً وقد جمد نشرها وبدر، حتى لتنزل عنها الثنايا إذا حاولت لها عضاضاً.
الله في باريس وفي فتن باريس! عروس أوروبا الغالية، بنت التمدين، المثال الجمل لكل شيء: يتشبه الناس بأبنائها. يلبسون كملابسهم، ويأكلون كمآكلهم، ثم ينطقون بألسنتهم، ثم يتغتذون بعلمهم كذلك كانت باريس، وكذا ستكون.
* * *
تعالوا نبكي على باريس في أطلالها ورسومها، وفي أشلاء مواتها، وفي قصورها المتداعية. ابتدرتها سوابق عبرات السماء بمتصلة الثمآبيت، وانشق لها صدر الغمام عن كل متداني الهيدب غداة أقبل عليها السين في أواذيّه المتدافعة، وأزباده المترامية.
كم مقلة بالأمس يتكلم إنسانها عن الصبا، جاد غربها اليوم بواكفٍ هتان. وكم وجنة رق عليها ماء الشباب، خددتها مسبلات الدموع.
عبست تلك الوجوه الضاحكة، وخلت هاتيك المغاني الآهلة، وعطلت مصانع طالما أجادت تنميق المحاسن في كل البلاد، وباتت بلاد الله تندب حسناءها. . .

الصفحة 30