كتاب مجلة «الزهور» المصرية (اسم الجزء: 1)

كأني بالغد وهو كامن في مكمنه، رابض في مجثمه متلفع بفضل إزاره، ينظر إلى آمالنا
وأمانينا نظرات الهزوء والسخرية، ويبتسم ابتسامات الاستخفاف والازدراء.
يقول في نفسه لو علم هذا الجامع أنه يجمع للوارث، وهذا الباني أنه يبني للخراب، وهذا الوالد أنه يلد للموت، ما جمع الجامع ولا بنى الباني ولا ولد الوالد.
ذلل الإنسان كل عقبة في هذا العالم، فاتخذ نفقاً في الأرض، وصعد بسلم إلى السماء، وعقد ما بين المشرق والمغرب بأسباب من حديد وخيوط من نحاس.
انتقل بعقله إلى العالم العلوي فعاش في كواكبه، وعرف أغوارها وأنجادها وسهولها وبطاحها وعامرها وغامرها ورطبها ويابسها.
وضع المقاييس لمعرفة أبعاد النجوم ومسافات الأشعة، والموازين لوزن كرة الأرض مجموعة ومتفرقة.
غاص في البحار فعرف أعماقها وفحص تربتها وأزعج سكانها ونبش دفائنها وسلبها كنوزها وغلبها على لآلئها وجواهرها.
نفذ من بين الأحجار والآكام إلى القرون الخالية فرأى أصحابها

الصفحة 33