كتاب نثل النبال بمعجم الرجال (اسم الجزء: 1)

ما تشاءُ. فقد قرأتُ من مثل كلامِك أضعافَ ما قرأتَ. ولكنَّك تَضرِبُ الكلام بعضَه ببعضٍ.
* وَثِقْ -يا أخي! - أنَّ المُستَشرِقين فَعَلُوا مثلَ ذلك في السُّنَّة، فقلتَ مثل قَولِهم، وأعجَبَك رأيُهُم، إذْ صادَفَ منك هوًى. ولكنَّك نسيتَ أنَّهُم فَعَلُوا مثلَ ذلك وأكثرَ منه في القُرآن نفسِهِ. فما ضارَّ القُرآنَ ولا السُّنَةَ شئٌ: ممّا فَعَلُوا.
*وقبلَهُم قام المُعتَزِلَةُ وكثيرٌ من أهل الرَّأي والأهوَاءِ، ففَعَلُوا بعضَ هذا أو كُلَّه، فما زادت السُّنَّة إلا ثُبوتًا كثُبوت الجِبال، وأَتعَبَ هؤلاء رُؤوسَهم وحدَها وأَوْهَوْهَا.
* بل، لم نَرَ فيمن تقدَّمَنا مِن أهل العِلمِ من اجتَرأ على ادِّعاءِ أنَّ في "الصَّحيحين" أحاديثَ موضُوعةٌ، فضلًا عن الإِيهامِ والتَّشنيع الذي يَطوِيه كلامُك، فيُوهِم الأَغرارَ أنَّ أكثرَ ما في السُّنَة موضوعٌ! هذا كلامُ المُستشرقِين.
* غايَةُ ما تكلَّم فيه العُلماء نقدُ أحاديثَ فيهِما بأعيَانِها, لا بادِّعاءِ وَضعِها والعياذُ بالله، ولابادِّعاء ضَعفِها، إنِّما نَقَدُوا عليهِما أحاديثَ ظَنُّوا أنها لا تَبلُغ في الصحَّة الذِّروَة العُليا التي التَزَمها كلٌّ مِنهُم.
*وهذا ممَّا أخطأ فيه كثيرٌ من النَّاس، ومِنهُم أستاذُنا السيد رشيد رضا رحمه الله، على عِلمِه بالسُّنَّة وفِقهِهِ، ولم يستَطِع قطُّ أن يُقِيم حُجَّتَه على ما يَرَى، وأفلَتَت منه كلماتٌ يَسمُوعلى عِلمِه أن يَقَعَ فيها. ولكنَّهُ كان متأثِّرًا أشدَ التَّاثُّر بجمال الدِّين ومُحمَّد عبدُه، وهما لا يعرِفان في الحديث شيئًا، بل كان هُو بعد ذلك أعلمَ منهُما، وأعلى قَدَمًا، وأثبتَ رأيًا، لولا الأثرَ الباقي في دخيلة نفسِهِ. والله يغفِرُ لنا وله.
* وما أفضتُ لك في هذا إلا خَشيةٌ عليك مِن حساب الله. أمَّا النّاس في هذا

الصفحة 196