كتاب شرح القصيدة النونية = شرح الكافية الشافية - ط العلمية (اسم الجزء: 1)

و عباده المؤمنين، ولا يقابلها بالسب والشتم كفعل الجاهلين والمعاندين، فإن رأى حقا تبعه وشكر عليه، وإن رأى باطلا رده على قائله وأهدى الصواب إليه، فإن الحق للّه ورسوله، والقصد أن تكون كلمة السنة هي العليا جهادا في اللّه وفي سبيله، واللّه عند لسان كل قائل وقلبه، وهو المطلع على نيته وكسبه، وما كان أهل التعطيل أولياءه، ان أولياؤه إلا المتقون، المؤمنون المصدقون: وقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ ورَسُولُهُ والْمُؤْمِنُونَ، وسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ والشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [التوبة: 105].
فصل:
وهذه أمثال حسان مضروبة للمعطل والمشبه والموحد، ذكرناها قبل الشروع في المقصود، فإن ضرب الأمثال مما يأنس به العقل لتقريبها المعقول من المشهود، وقد قال تعالى، وكلامه المشتمل على أعظم الحجج وقواطع البراهين:
وَ تِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ [الحشر: 21] الآية: وما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ [العنكبوت: 43] وقد اشتمل منها على بضعة وأربعين مثلا، وكان بعض السلف إذا قرأ مثلا لم يفهمه يشتد بكاؤه ويقول لست من العالمين، وسنفرد لها ان شاء اللّه كتابا مستقلا متضمنا لأسرارها ومعانيها وما تضمنته من كنوز العلم وحقائق الإيمان، واللّه المستعان وعليه التكلان.
المثل الأول: ثياب المعطل ملطخة بعذرة التحريف، وشرابه متغير بنجاسة التعطيل. وثياب المشبه متضمخة بدم التشبيه وشرابه متغير بدم التمثيل، والموحد طاهر الثوب والقلب والبدن، يخرج شرابه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين.
المثل الثاني: شجرة المعطل مغروسة على شفا جرف هار. وشجرة المشبه قد اجتثت من فوق الأرض ما لها ما قرار. وشجرة الموحد أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب اللّه الأمثال للناس لعلهم يتذكرون.
المثل الثالث: شجرة المعطل شجرة الزقوم، فالحلوق السليمة لا تبلعها.

الصفحة 13