كتاب شرح القصيدة النونية = شرح الكافية الشافية - ط العلمية (اسم الجزء: 1)

مجازا كما يقال سقط الجدار وجرى الماء.
و ضرب المؤلف مثلا لذلك بتحرك الرجفان، وهو الخائف المرتعد. وهبوب الريح وحركة النائم وتمايل الأشجار، ومن المعلوم أن كل هذه أفعال اضطرارية.
و يقول الجهمية: ان اللّه يعاقب العبد على ما ليس من فعله من المعاصي والذنوب ويذيقه عليها العذاب الشديد، وحر الحميم الآن، وهو الماء الحار الشديد الحرارة- بل ان اللّه يعاقبه على فعله هو فيه، تعالى اللّه عما يقولون علوا كبيرا- وقالوا ان هذا ليس ظلما، لأنه تصرف في محض ملكه وسلطانه وهو ممكن، والظلم انما هو المحال لذاته.
و قد ردّ المؤلف عليهم بأن الظلم إذا كان محالا لذاته لم يكن في نفيه عن اللّه عز وجل مدح، مع أن اللّه قد مدح نفسه بنفي الظلم عنه كما في قوله إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ [النساء: 4] ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [ق: 29] وفي الحديث القدسي «يا عبادي اني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا».
و ذلك لا يكون إلا إذا كان الظلم في ذاته ممكنا ويكون مختارا في تركه، اذ لا يعقل أن يتمدح أحد بما لا يتصور وقوعه منه لاستحالته في ذاته.
وكذلك قالوا ماله من حكمة ... هي غاية للأمر والاتقان
ما ثم غير مشيئة قد رجحت ... مثلا على مثل بلا رجحان
هذا وما تلك المشيئة وصفه ... بل ذاته أو فعله قولان
وكلامه مذ كان غيرا كان مخ ... لوقا له من جملة الأكوان
الشرح:
اختلفت مذاهب الناس في الحكمة بمعنى العلة الباعثة على الخلق والأمر، وهل للّه حكمة من أجلها يفعل ويأمر، أم ليس هناك إلا مجرد الإرادة

الصفحة 27