كتاب شرح القصيدة النونية = شرح الكافية الشافية - ط العلمية (اسم الجزء: 1)

واسأل شرار الخلق أغلى أمة ... لوطية هم ناكحوا الذكران
وأسأل كذاك امام كل معطل ... فرعون مع قارون مع هامان
هل كان فيهم منكر للخالق ال ... رب العظيم مكون الأكوان
فليبشروا ما فيهم من كافر ... هم عند جهم كاملو الإيمان
الشرح:
اختلف الناس في حقيقة الإيمان على أقوال شتى، أصحها ما ذهب إليه السلف من أنه تصديق بالجنان واقرار باللسان وعمل بالأركان.
و روي عن أبي حنيفة أنه تصديق واقرار فقط، بل روي عنه أنه جعل الاقرار ركنا زائدا ليس بأصلي. وذهب الكرامية إلى أن الإيمان اقرار باللسان فقط، فمن أقر بلسانه فهو مؤمن عندهم بمعنى أنه يسمى بذلك، وان كان مستحقا للوعيد.
و ذهب الجهم وشيعته إلى أن الايمان هو مجرد المعرفة بأن اللّه هو الرب الخالق لكل شي ء، والناس في هذه المعرفة متساوون كأسنان المشط، لا يزيد أحدهم فيها على غيره ولا ينقص عنه.
و قد بين المؤلف رحمه اللّه فساد هذا المذهب بأنه يلزم عليه أن يكون أبو جهل أشقى هذه الأمة وشيعته في الكفر والعناد ومن والاهم من عبدة الأوثان.
و أن يكون اليهود الذي لعنهم اللّه وغضب عليهم وأن يكون كل أقلف مشرك من النصارى الذي لا يختتنون. وأن تكون ثمود الذين عقروا الناقة وقوم هود الذين استكبروا في الأرض بغير الحق، وقالوا من أشد منا قوة، وقوم نوح الذين فسقوا عن أمر اللّه، وأن يكون ابليس رأس الشر وقوم لوط ناكحوا الذكران من العالمين، وفرعون وهامان وقارون- يلزم أن يكون هؤلاء جميعا على مذهب الجهم مؤمنين كاملي الايمان، فإن الاقرار بوجود صانع للعالم مركوز في الفطر، ولم ينازع فيه أحد من العقلاء.
و أما قول فرعون على جهة التجاهل والانكار وما رَبُّ الْعالَمِينَ [الشعراء: 23] فهو مكابرة منه مع علمه بالحق، ولهذا قال له موسى عليه

الصفحة 29