كتاب شرح القصيدة النونية = شرح الكافية الشافية - ط العلمية (اسم الجزء: 1)

معانيها المتبادرة منها، وادعاء أنه لا يمكن فهم مقصود المتكلم بهذه الألفاظ لاحتمالها لعدة معان، فقل له: دع عنك هذه الجعاجع والمغالطات، فكل لفظ من هذه الالفاظ الثلاثة واضح الدلالة على معناه.
فالمراد بالعرش هنا ليس إلا عرش الرب جل شأنه الذي هو فوق السموات وهو المذكور في قوله تعالى: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ ومَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ويُؤْمِنُونَ بِهِ [غافر: 7] وفي قوله: رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ [غافر: 15] وفي قوله قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ ورَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ [المؤمنون: 86] إلى ما لا يحصى من الآيات والأحاديث واللام فيه للعهد الذهني، وليس في هذا اللفظ بحمد اللّه اجمال يحتاج معه إلى تفصيل، ولا هو موهم أنه مستعمل في معنى مجازي، ولا هو من الالفاظ المشتركة الموضوعة لعدة معان، وهو العرش الذي شهد الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم وجميع الأنبياء قبله بثبوته لربهم، وقد عرفنا نحن ذلك من أخبارهم كما عرفوه هم بالوحي الذي أنزل عليهم ممن على العرش استوى جل وعلا.
لم تفهم الأذهان منه سرير بلقيس ولا بيتا على الأركان
كلا ولا عرشا على بحر ولا ... عرشا لجبريل بلا بنيان
كلا ولا العرش الذي ان ثل من ... عبد هوى تحت الحضيض الداني
كلا ولا عرش الكروم وهذه الأعناب في حرث وفي بستان
لكنها فهمت بحمد اللّه منه عر ... ش الرب فوق جميع ذي الاكوان
وعليه رب العالمين قد استوى ... حقا كما قد جاء في القرآن
الشرح:
يعني أن العرش المذكور في مثل قوله تعالى: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى [طه: 5] قد جاء إما مطلقا معرفا بلام العهد كما في الآية، أو مضافا إلى الرب جل شأنه كما في قوله «و كان عرشه على الماء» فلا يمكن أن يفهم الذهن منه غير معنى واحد وهو هذا الجسم المخصوص الذي تنتهي به كرة

الصفحة 317