كتاب شرح القصيدة النونية = شرح الكافية الشافية - ط العلمية (اسم الجزء: 1)
غيرهم، وأكمل الناس عناية بفهم خطابه وإدراك مقاصده مع ما لهم من الفهم الصحيح والنظر الصائب والفطرة السليمة التي لم تفسد بالتقليد الأعمى، يعتبرون خطابه نصا قاطعا في الدلالة على ما قصد إليه منه دون ان يتطرق إلى نفوسهم أي توهم للاحتمال أو المجاز. والمراس هو الممارسة، وهو كثرة التمرن والاعتياد.
لكن من هو دونهم في ذاك لم ... يقطع بقطعهم على البرهان
ويقول يظهر ذا وليس بقاطع ... في ذهنه لا سائر الأذهان
ولألفه بكلام من هو مقتد ... بكلامه من عالم الأزمان
هو قاطع بمراده وكلامه ... نص لديه واضح التبيان
والفتنة العظمى من المتسلق المخدوع ذي الدعوى أخي الهذيان
لم يعرف العلم الذي فيه الكلا ... م ولا له ألف بهذا الشأن
لكنه منه غريب ليس من ... سكانه كلا ولا الجيران
فهو الزنيم دعي قوم لم يكن ... منهم ولم يصحبهم بمكان
وكلامهم أبدا لديه مجمل ... وبمعزل عن أمرة الإيقان
الشرح:
لكن من نقصت درجته في العلم والتحصيل والفهم لمضمون الخطاب عن هؤلاء السابقين لم يسلك سبيلهم في القطع بمعاني النصوص، بل يرى فقط أن هذا هو الظاهر المتبادر منها إلى الذهن مع تجويزه أن يكون المراد بها معنى آخر، وذلك لقلة ألفه بالنصوص الصريحة من الكتاب والسنة وقلة ممارسته لها، ولكنه لطول الفه بكلام من يقلده ويقتدي به من علماء زمانه يقطع بمراده من كلامه، ويعتبر كلامه نصا واضحا فيما يتضمنه من معنى، فجعل كلام اللّه تعالى وكلام رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم أقل في الإفادة والإفهام من كلام شيخه، ولم يرض حتى بالمساواة، وصاحب هذا المسلك هو على كل حال أقل خطرا وأخف ضررا، ولكن الفتنة العظمى والداهية الكبرى في هذا المتسلق للجدران المخدوع بزخارف البهتان صاحب الدعاوى العريضة في العلم والعرفان، وما هو إلا أخو