كتاب شرح القصيدة النونية = شرح الكافية الشافية - ط العلمية (اسم الجزء: 1)

و اجترءوا عليها بالتحريف الذي سموه تأويلا كذبا منهم وتضليلا، فإن لفظ التأويل لم يستعمل في القرآن بهذا المعنى الذي أدعوه، وهو صرف اللفظ عن معناه الظاهر الراجح إلى معنى آخر لا يحتمله اللفظ إلا على وجه مرجوح، وإنما هو اصطلاح اصطلحوا عليه وسموه بهذا الاسم تلبيسا منهم على الجهلة وإنصاف العلماء. ونحن إذا تتبعنا لفظ التأويل في مواضعه من القرآن لم نجده قد استعمل إلا بمعنى الحقيقة التي يؤول إليها الخبر والتي هي لنفس المخبر عنه. فتأويل ما أخبر اللّه به عن نفسه من أسمائه وصفاته هو نفس الأسماء والصفات المخبر بها أي حقائقها، وتأويل ما أخبر اللّه به من الوعد والوعيد هو وقوع ما أخبر اللّه به من ذلك وهكذا.
فقوله تعالى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ [الأعراف: 53] معناه ما ينتظر هؤلاء في عنادهم وإصرارهم على كفرهم إلا وقوع ما توعدهم القرآن به من العذاب الذي هو تأويل، أي ما يؤول ويصير إليه.
و قوله: وقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا [يوسف: 100] معناه أن هذا الذي حصل من دخول أبويه وإخوته عليه وسجودهم له هو تأويل رؤياه التي رآها من قبل، والتي ذكرت في قوله تعالى:
إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً والشَّمْسَ والْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ [يوسف: 4] ومعنى تأويلها أي وقوع ما تضمنته تلك الرؤيا في عالم اليقظة ومطابقة ذلك لما رآه الصديق في منامه.
و قوله تعالى: سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً [الكهف: 78] معناه سأخبرك بحقيقة ما رأيت من الأمور التي أنكرت ظواهرها ولم تطق صبرا عليها. وعلى هذا يمكن أن نفهم المراد بلفظ التأويل في قوله تعالى وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران: 7] أي لا يفهم حقيقة المتشابه وكيفيته، وهو ما أخبر اللّه به عن نفسه من أسمائه وصفاته ووعده ووعيده وغير ذلك من أمور الغيب إلا اللّه عز وجل. فحقيقة هذه الأمور وكيفياتها على التفصيل مما استأثر

الصفحة 332