كتاب شرح القصيدة النونية = شرح الكافية الشافية - ط العلمية (اسم الجزء: 1)

لنصوص وحرّفوها عن مواضعها حتى توافق ما رأته عقولهم، هيئوا بذلك فرصة عظيمة لأهل النفاق والكذب من القرامطة الباطنية أن يستندوا بسنتهم في ذلك، فيجحدوا الحق المبين، ويسموا ذلك تأويلا بلا فارق أصلا بين تأويل هؤلاء وتأويل أولئك، فالكل صرف للألفاظ عن ظواهرها وحمل لها على معان أخرى بمحض الهوى. فلو قدر أن أولئك المتأولين من الأشعرية لاموا هؤلاء الجناة من الباطنية على ما أوغلوا فيه من التأويل، لاستطاعوا إفحامهم بأنا تأولنا كما تأولتم، فنحن وأنتم في هذا الباب سواء، وإلا فدلونا على فارق يجعل التأويل حلالا لكم وحراما علينا، ونحن مستعدون أن نتحاكم نحن وأنتم إلى وزان يضع تأويلاتنا في كفة ويضع تأويلاتكم في الكفة الأخرى، وسترون حينئذ أن تأويلاتنا أرجح من تأويلاتكم، وأننا أولى بهذا الأمر منكم، لأننا أهل المنطق وأساتذته، وأما أنتم فتلاميذ لنا فيه، وهذا أمر تقرون به ولا تنكرونه، فنحن شيوخكم في المعقول، ومنا تعلمتم تركيب الأقيسة وفنون الحجاج، فمنا العلم الثاني الفارابي والشيخ الرئيس ابن سينا اللذان مهدا لكم سبيل هذا العلم وأحكما قواعده، وأنتم عالة عليهما في كل ما تقررونه. وإن أبيتم إلا الإنكار فارجعوا إلى مباحثكم واسألوها وإلى قواعدكم فاستفتوها. وهي تنبئكم نبأ صدق من أين جاءتكم وأين وجدتم أصولها، وعلى يدي من وصلتكم، حتى تقروا لنا بالسبق في هذا المضمار والتفوق عليكم فيه.
و إذا تبين لكم هذا وتحققتموه، فنحن نسألكم لما ذا أنتم مؤمنون ونحن كفار وطريقتنا واحدة والاتفاق بيننا قائم على:
أن النصوص أدلة لفظية ... لم تفض قط بنا إلى إيقان
فلذاك حكمنا العقول وأنتم ... أيضا كذاك فنحن مصطلحان
فلأي شي ء قد رميتم بيننا ... حرب الحروب ونحن كالأخوان
الأصل معقول ولفظ الوحي مع ... زول ونحن وأنتم صنوان

الصفحة 334