كتاب شرح القصيدة النونية = شرح الكافية الشافية - ط العلمية (اسم الجزء: 1)

ليست كلام اللّه بل فيض من ... الفعال أو خلق من الأكوان
فالأرض ما فيها له قول ولا ... فوق السما للخلق من ديان
بشر أتى بالوحي وهو كلامه ... في ذاك نحن وأنتم مثلان
الشرح:
فلنتحالف بيننا أن نكون عليهم حزبا واحدا، وأن يكون كل منا سلما لصاحبه، فإذا فرغنا من قتالهم والقضاء عليهم، فإن ما بيننا من الخلاف هين بسيط، بل نحن في حقيقة الأمر أخوان متفقان في أكثر المبادي والأحكام، فالعرش عند جماعتنا وجماعتكم (و هو الجسم المحيط بكرة العالم) ليس فوقه شي ء اللهم إلا العدم المحض الذي ليس شيئا موجودا، لا في الأعيان ولا في الأذهان.
بل ليس وراءه إلا العدم المحقق، فاللّه عندنا وعندكم ليس فوق العرش بذاته عكس ما يقوله الديصانية (الذين يقولون بأصلين نور وظلمة، وأن النور لم يزل يلقى الظلمة بأسفل صفحة منه، وأن الظلمة لم تزل تلقاه بأعلى صفحة منها) وهذا هو عندنا وعندكم حقيقة التوحيد والمعرفة أن اللّه وجود مجرد بسيط لا تكثر فيه، ولا يقال فوق ولا تحت ولا داخل ولا خارج ولا يوصف بقرب ولا بعد ولا اتصال ولا انفصال، ولا يشار إليه ولا يصعد إليه شي ء، ولا ينزل من عنده شي ء وكذلك جماعتنا تقول في التوراة والإنجيل والقرآن أنها ليست كلام اللّه على الحقيقة، بل هي عندنا فيض من العقل الفعال الذي هو عقل القمر، وهو آخر العقول العشرة وأقربها إلى عالم العناصر، وهو المتصرف فيها بالكون والفساد، وهو الذي يفيض العلوم على البشر بحسب الاستعداد والتوجه كما يفيض الصور النوعية على المركبات، وهي عندكم كذلك من جملة المخلوقات، لأنها حروف وأصوات وألفاظ مكتوبات، فالاتفاق بيننا وبينكم قائم على نفي أن يكون للّه كلام في الأرض، أو أن يكون بذاته على العرش، بل الذي نقرؤه بألسنتنا إنما هو كلام بشر أتى بالوحي وليس كلام اللّه، ونحن وأنتم في هذا مثلان «1».
__________________________________________________
(1) انظر كيف يعقد المؤلف هذا الشبه القوي بين الأشعرية المتأخرة وبين الفلاسفة رغم ما كانا يتظاهران به من عداء.

الصفحة 338