كتاب شرح القصيدة النونية = شرح الكافية الشافية - ط العلمية (اسم الجزء: 1)
ولذاك قلنا أن رؤيتنا له ... عين المحال وليس في الإمكان
وزعمتم أنا نراه رؤية المع ... دوم لا الموجود في البرهان
إذ كل مرئي يقوم بنفسه ... أو غيره لا بد في البرهان
من أن يقابل من يراه حقيقة ... من غير بعد مفرط وتدان
ولقد تساعدنا على إبطال ذا ... أنتم ونحن فما هنا قولان
أما البلية فهي قول مجسم ... قال القرآن بدا من الرحمن
هو قوله وكلامه منه بدا ... لفظا ومعنى ليس يفترقان
سمع الأمين كلامه منه وأد ... اه إلى المختار من إنسان
فله الأداء كما الأداء لرسوله ... والقول قول اللّه ذي السلطان
الشرح:
ولهذا الذي ذهبنا إليه نحن وأنتم من نفي الجهة وإنكار أن يكون اللّه فوق عرشه بذاته، قلنا أن رؤيتنا له التي وردت بها النصوص الصريحة من الكتاب والسنة مستحيلة غير ممكنة، وأما أنتم فلما لم يجترئوا على إنكار تلك النصوص أو تأويلها أثبتم رؤية بلا جهة، وهي لا تليق إلا بالمعدوم دون الموجود في الأعيان، فإن البرهان قام على أن كل مرئي، سواء كان قائما بنفسه، وهو ما لا يكون تحيزه تابعا لتحيز غيره، أو كان قائما بغيره، كالعرض لا بد أن يكون مقابلا للرائي وفي جهة منه، وقد تظاهرنا نحن وأنتم على إبطال ذلك، أي الوجود في الجهة في حق اللّه تعالى، فقولنا في ذلك هو عين قولكم، لهذا حكمنا باستحالة الرؤية، والتزمتم رؤية بلا جهة، فليس ثم خلاف بيننا وبينكم في هذه الأصول، أما المخالف لنا ولكم جميعا فهو ذلك المجسم الذي يقول بأن القرآن كلام اللّه، لفظه ومعناه، منه بدأ وإليه يعود، فيثبت الحرف والصوت، ولا يفرق بين اللفظ والمعنى، ولا يقول أن اللفظ مخلوق، بل يقول أن القرآن كله، لفظه ومعناه، هو قول اللّه وكلامه، سمعه منه الأمين جبريل عليه السلام ثم أداه إلى سيد البشر ومختارهم محمد صلّى اللّه عليه وسلّم كما سمعه، فليس لجبريل فيه إلا الأداء فقط، وكذلك الرسول عليه السلام أداه لأمته كما سمعه من جبريل، والقول قول اللّه في كل ذلك، لأن القول إنما ينسب إلى من قاله مبتدئا لا إلى من بلغه مؤديا. نعم قد