كتاب شرح القصيدة النونية = شرح الكافية الشافية - ط العلمية (اسم الجزء: 1)

محض. وهذا جهل منه بالبدء، فان اللّه لم يبدأ هذه الأجسام من عدم محض، بل من مواد وعناصر موجودة فعلا أحالها من حال إلى حال، وهذه سنته سبحانه في الخلق أنه يحيل الأجسام بعضها إلى بعض، ويقلبها من طور الى طور، وهكذا ستكون الاعادة.
و كانت مقالة الجهم هذه هي التي حملت ابن سينا وشيعته من المتفلسفة الى الكفر بالبعث وانكار حشر الأجساد، لأنهم ظنوا كما ظن الجهم أن الاعادة لا تكون إلا عن عدم، وأن هذا هو الذي قصده الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم من الايمان بالبعث- ولما كان لا يمكن في العقل اعادة المعدوم بعينه، لأن ذلك يستلزم اعادته بجميع أعراضه وصفاته كلها ومنها الزمان، فقد ذهبوا إلى استحالة الاعادة إذ لا يمكن اعادة الزمان الأول بعينه.
و معلوم أن هذا الذي قاله الجهم في الاعادة عن عدم، وكان سببا لورود الاشكالات على البعث ليس في شي ء من كتاب اللّه ولا سنة رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم ولا ذهب إليه أحد من الصحابة ولا من الذين اتبعوهم باحسان رضي اللّه عنهم أجمعين، بل كلهم فهموا معنى البعث كما ورد به الكتاب الكريم، وهو أبعد ما يكون عن أقوال هؤلاء الزائغين المبتدعين.
بل صرح الوحي المبين بأنه ... حقا مغير هذه الأكوان
فيبدل اللّه السموات العلى ... والأرض أيضا ذات تبديلان
وهما كتبديل الجلود لساكني الن ... يران عند النضج من نيران
وكذاك يقبض أرضه وسماءه ... بيديه ما العدمان مقبوضان
وتحدث الأرض التي كنا بها ... أخبارها في الحشر للرحمن
وتظل تشهد وهي عدل بالذي ... من فوقها قد أحدث الثقلان
أ فيشهد العدم الذي هو كاسمه ... لا شي ء، هذا ليس في الامكان
الشرح:
يعني أن الذي صرحت به النصوص ليس هو إعدام هذه الأكوان

الصفحة 35