كتاب شرح القصيدة النونية = شرح الكافية الشافية - ط العلمية (اسم الجزء: 1)

قول بلا حرف ولا صوت يرى ... من غير ما شفة وغير لسان
أوقعت في التشبيه والتجسيم من ... لم ينف ما قد قلت في الرحمن
الشرح:
وكذلك يسوء الجهمي ويخزيه ويأتي على تعطيله من القواعد وصف الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم لربه بأنه متكلم، بمعنى ان الكلام قائم به لا بمعنى أنه مخلوق له، وقوله: ان كلامه حروف وأصوات مسموعة بالآذان، فهو الذي نادى بنفسه الكليم موسى بن عمران بنداء سمعه موسى عليه السلام، كما قال تعالى وإِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [الشعراء: 10] وكما قال ونادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وقَرَّبْناهُ نَجِيًّا [مريم: 52].
و هو سبحانه الذي نادى آدم وحواء حين أكلا من الشجرة ووقعا في الخطيئة معاتبا لهما على عصيانهما أمره ونسيانهما تحذيره لهما من عداوة الشيطان، كما قال تعالى: وناداهُما رَبُّهُما أَ لَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ [الأعراف: 22].
و هو سبحانه ينادي عباده يوم القيامة بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب ويقول: «أنا الديان لا ظلم اليوم». كما ورد بذلك الحديث.
و هو سبحانه موصوف بأنه قال في الماضي وقائل في الحال، ويقول في المستقبل فالقول ثابت له بكل صيغ الاشتقاق، ولا يعقل قول بلا حروف وأصوات.
فهذا كله مما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام، يراه الجهمي جورا في العبارة مجانبا للصواب في التنزيه وموقعا لمن لا علم له بنفيه عن الرحمن في التجسيم والتشبيه.
و الثقلان الانس والجن، والديان صيغة مبالغة من دانه بمعنى جازاه، وقوله قول بلا حروف الخ، هو اسم ليس في البيت قبله.

الصفحة 357