كتاب شرح القصيدة النونية = شرح الكافية الشافية - ط العلمية (اسم الجزء: 1)
لو لم تقل فوق السماء ولم تشر ... باشارة حسية ببنان
وسكت عن تلك الأحاديث التي ... قد صرحت بالفوق للديان
وذكرت أن اللّه ليس بداخل ... فينا ولا هو خارج الأكوان
كنا انتصفنا من أولى التجسيم بل ... كانوا لنا اسرى عبيد هوان
لكن منحتهم سلاحا كلما ... شاءوا لنا منهم أشد طعان
وغدوا بأسهمك التي أعطيتهم ... يرموننا غرضا بكل مكان
لو كنت تعدل في العبارة بيننا ... ما كان يوجد بيننا رجفان
هذا لسان الحال منهم وهو في ... ذات الصدور يغل بالكتمان
يبدو على فلتات أنفسهم وفي ... صفحات أوجههم يرى بعيان
سيما اذا قرئ الحديث عليهم ... وتلوت شاهده من القرآن
فهناك بين النازعات وكورت ... تلك الوجوه كثيرة الألوان
ويكاد قائلهم يصرح لو يرى ... من قابل فتراه ذا كتمان
اللغة: يقال انتصف من خصمه اذا غلب عليه بالحجة وقهره، والغرض هو الشي ء الذي ينصب للرمي كالهدف، والرجفان من الرجفة والاضطراب، وهو الشديد الفزع والشاهد هو المطابق المؤيد. وقوله: بين النازعات وكورت، يعني به قوله تعالى في سورة عبس في وصف وجوه الكفار: ووُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ تَرْهَقُها قَتَرَةٌ [عبس: 40، 41].
الشرح:
هذا من جملة خطاب الجهمي للرسول صلّى اللّه عليه وسلّم يحكيه عنه المؤلف، يعني أنك لو لم تقل بأن اللّه فوق السماء ولم تشر إليه بالاشارة الحسية الى جهة الفوق، ولم تتحدث بتلك الأحاديث المستفيضة التي تصرح باثبات تلك الجهة للّه، ولو أنك بدلا من هذا ذكرت ما يفيد تنزهه عن الجهة والمكان، فقلت انه ليس داخل العالم ولا خارجه، لكنا بذلك قد انتصرنا على المجسمة وحجزناهم في أقماع السمسم، حيث يكون معنا سلاح النقل الى جانب ما عندنا من المعقول، لكنك منحتهم بهذه الأحاديث والنصوص سلاحا جبارا يطعنوننا به كلما شاءوا