كتاب شرح القصيدة النونية = شرح الكافية الشافية - ط العلمية (اسم الجزء: 1)

وتمد أيضا مثل مد أديمنا ... من غير أودية ولا كثبان
وتقيئ يوم العرض من أكبادها ... كالأسطوان نفائس الأثمان
كل يراه بعينيه وعيانه ... ما لامرئ بالأخذ منه يدان
وكذا الجبال تفتّ فتا محكما ... فتعود مثل الرمل ذي الكثبان
وتكون كالعهن الذي ألوانه ... وصباغه من سائر الألوان
وتبس بسا مثل ذاك فتنثني ... مثل الهباء لناظر الانسان
الشرح:
لكن الذي ذلت عليه النصوص الصريحة أن الأرض تسوي وتصير قاعا صفصفا لا ارتفاع فيها ولا انخفاض وتصير صعيدا جرزا ليس عليها نبات ولا شجر، قال تعالى: فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً* لا تَرى فِيها عِوَجاً ولا أَمْتاً [طه: 106 - 107] وقال: إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا* وإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً [الكهف: 7 - 8] وأنها تبسط وتوسع وتمد كمد الاديم، وهو الجلد المدبوغ، قال تعالى: وإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ* وأَلْقَتْ ما فِيها وتَخَلَّتْ* وأَذِنَتْ لِرَبِّها وحُقَّتْ [الانشقاق: 3 - 5] وأنها تشهد على كل عبد أو أمة بما عمل على ظهرها وأنها تبدل كما سبق في الشكل والكيفية مع بقاء كيانها.
و أما قول المؤلف (و تقيئ يوم العرض الخ) هذا البيت والذي بعده فهو اشارة الى قوله عليه السلام فيما رواه مسلم عن أبي هريرة «تلقي الأرض أفلاذ كبدها أمثال الاسطوان من الذهب والفضة، فيجي ء القاتل فيقول في هذا قتلت، ويجي ء القاطع فيقول: في هذا قطعت رحمي، ويجي ء السارق فيقول: في هذا قطعت يدي ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئا».
و كذلك دلت النصوص الصريحة من القرآن على أن الجبال التي جعلها اللّه أوتادا للأرض حتى لا تميد بنا تتفتت وتصير كثيبا مهيلا. وأنها تصير كالعهن المنفوش، يعني مثل الصوف المصبوغ أو المتمزق البالي، وأنها تبس بسا فتصير هباء منبثا قال على رضي اللّه عنه: هباء منبثا كرهج الغبار يسطع ثم يذهب فلا

الصفحة 37