كتاب شرح القصيدة النونية = شرح الكافية الشافية - ط العلمية (اسم الجزء: 1)
أعمى جبان لا يبصر ما تحتها من ضعف وهوان، فإذا ألقى إليهم سمعه ورأوا أنهم قد ملكوه، أخذوا يملئون قلبه حقدا وعداوة على أهل الحق والإيمان، وحشوه بالكذب والتلبيس والبهتان، فيرى من زيهم ويسمع من فشرهم ما فيه بلاء لعينيه وأذنيه ويبدون له من الجهل والكذب ما لا يقدر بكيل ولا ميزان.
وأتوا إلى قلب المطاع ففتشوا ... عما هناك ليدخلوا بأمان
فإذا بدا غرض لهم دخلوا به ... منه إليه كحيلة الشيطان
فإذا رأوه هش نحو حديثهم ... ظفروا وقالوا ويح آل فلان
هو في الطريق يعوق مولانا عن ... المقصود وهو عدو هذه الشأن
فإذا هم غرسوا العداوة واظبوا ... سقي الغراس كفعل ذي البستان
حتى إذا ما أثمرت ودنا لهم ... وقت الجذاذ وصار ذا إمكان
ركبوا على حرد لهم وحمية ... واستنجدوا بعساكر الشيطان
فهنالك ابتليت جنود اللّه من ... جند اللعين بسائر الألوان
ضربا وحبسا ثم تكفيرا وتبديعا ... وشتما ظاهر البهتان
الشرح:
وتراهم لكي يضمنوا انحياز هؤلاء الأمراء والحكماء إليهم في الخصومة بينهم وبين أهل الحق، يحكمون الحيلة ويتلطفون في الدخول إلى قلوبهم بالتفتيش عما فيها من أماني وأغراض، فإذا ظهر لهم منها شي ء جعلوه وسيلتهم في احتلال قلوب هؤلاء وامتلاكها بما يظهرون من الرضى والاستحسان لذلك، فإذا رأوه انبسط إليهم وأعجبه حديثهم، أخذوا في إغرائه بخصومهم واستعدائه عليهم بأن يوهموه أنهم ضد رغبته وعلى خلاف مراده، حتى إذا نجحوا في غرس العداوة لهم في قلبه تعهدوا ذلك الغرس بالسقي، كما يفعل البستاني بالشجر حتى تستحكم وتخرج إلى حد البطش والانتقام، وحينئذ يستعلن هؤلاء الجبناء بخصومة أهل الحق ويركبون أفراس البغي ويجعلون في قلوبهم الحمية، حمية الجاهلية ويستنجدون بعساكر الشيطان، فهنالك تبتلى جنود الرحمن من جند