كتاب شرح القصيدة النونية = شرح الكافية الشافية - ط العلمية (اسم الجزء: 1)

بين الصفات وبين مخلوق كما ... بين الاله وهذه الأكوان
هذا وقد عضوه أن نصوصه ... معزولة عن إمرة الايقان
لكن غايتها الظنون وليته ... ظنا يكون مطابقا ببيان
لكن ظواهر ما يطابق ظنها ... ما في الحقيقة عندنا بوازن
الا اذا ما أولت فمجازها ... بزيادة فيها أو النقصان
أو بالكناية واستعارات وتش ... بيه وأنواع المجاز الثاني
فالقطع ليس يفيده والظن ... منفى كذلك فانتفى الأمران
فلم الملامة اذ عزلناها ... وولينا العقول وفكرة الأذهان
الشرح:
فمما عضهوا به القرآن العظيم انهم نفوا خروجه من الرب الكريم ولم يقولوا بما قال السلف انه كلام اللّه منزل غير مخلوق منه بدا وإليه يعود، بل قالوا أنه مخلوق كسائر الأشياء المخلوقة في الوجود، وأنه لم يبتدئ نزوله من عند اللّه، بل من اللوح المحفوظ الذي هو مكتوب فيه، ومنهم من يقول أن جبريل هو الذي أنشأ ألفاظه وتكلم بها، ومنهم من يقول: بل الرسول الثاني وهو محمد صلّى اللّه عليه وسلّم فان القرآن أوحى إليه معاني فقط وهو الذي عبر عنها بألفاظ من عنده، بل معنى كونه متكلما عندهم أنه خالق للكلام، وإضافة القرآن إليه انما هي اضافة تشريف لمزيد اختصاص به كاضافة البيت والناقة، وليست اضافة لموصوف، فهلاكا لهؤلاء الملحدين الذين ألحدوا في آيات اللّه ونفوا تكلمه بها فسلبوا ربهم أكمل صفاته وهي الكلام والبيان والافهام، فان من لا يقدر على الكلام لا يصلح أن يكون إلها معبودا للأنام، ولهذا أنكر اللّه على بني اسرائيل عبادتهم للعجل الذي صاغه لهم السامري بأنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا.
و عجبا لهؤلاء كيف تستوي في عقولهم النسبتان. نسبته الى البشر، ونسبته الى الرحمن، مع أن اللّه توعد رأسا من رءوس الكفر وهو الوليد بن المغيرة بأنه سيصليه سقر لقوله في القرآن: إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ [المدثر: 25] وكيف يضاف كلامه الذي هو صفته الى مخلوق فيكون صفة لذلك المخلوق

الصفحة 390