كتاب شرح القصيدة النونية = شرح الكافية الشافية - ط العلمية (اسم الجزء: 1)
هذا وليسوا في بيان علومهم ... مثل الرسول ومنزل القرآن
واللّه لو صح الذي قد قلتم ... قطعت سبيل العلم والإيمان
فالعقل لا يهدي إلى تفصيلها ... لكن ما جاءت به الوحيان
فإذا غدا التفصيل لفظيا ومع ... زولا عن الإيقان والرجحان
فهناك لا علم أفادت لا ولا ... ظنا وهذا غاية الحرمان
الشرح:
ولكنكم مع بلوغ الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم ذروة البيان ووضوح مراده من كلامه كأنه مرئي للعيان، كلما جاءكم بلفظ مهما كان صريحا في معناه قلتم أنه لا يفيد اليقين، لأن دلالة أي لفظ على معناه عندكم دلالة ظنية، فتضربون في وجهه بعساكر التأويل دفعا له عن معناه الحق بليان، أي بملاينة ولطف. وصرفا له إلى ما تريدون من معان باطلة تزعمونها عقلية. وهذا الحكم منكم بقصور الألفاظ عن الدلالة على معانيها يترتب عليه من الفساد ما لا يحصيه إلا اللّه، فلو أنكم أجريتم قاعدتكم هذه على أهل العلوم وكتبهم لما أمكن فهم مسألة واحدة من مسائل العلوم، ولفسدت تصانيف الوجود كلها، ولأصبحت العلوم شيئا تافها لا يؤبه له، مع أن علوم هؤلاء العلماء لا يمكن ان تساوي في البيان ما جاء عن الرسول من سنة وقرآن، ولو صح أيضا ما قلتم لانسد باب العلم والإيمان، فإن العقول لا تهدي إلى تفاصيلها، بل إنما يعرف ذلك مما جاء به الوحيان من سنة ومن قرآن، فإذا كان ذلك التفصيل لفظيا ومعزولا عندكم عن إفادة الإيقان، بل عن إفادة الظن والرجحان كانت النتيجة أن هذه النصوص التي لا بد منها لمعرفة تفاصيل العقائد لا تفيد علما ولا ظنا، وهذا غاية الحرمان، بل غاية الجهل والخذلان.
لو صح ذاك القول لم يحصل لنا ... قطع بقول قط من إنسان
وغدا التخاطب فاسدا وفساده ... أصل الفساد لنوع ذا الانسان
ما كان يحصل علمنا بشهادة ... ووصية كلا ولا إيمان