كتاب شرح القصيدة النونية = شرح الكافية الشافية - ط العلمية (اسم الجزء: 1)

الأرواح المستقلة عن الأبدان وقال ليس هناك أرواح تنزل إلى البدن عند الولادة وتصعد منه عند الموت، ولكن الحياة عنده عرض من الأعراض القائمة بالبدن، فإذا مات الحي بطل ذلك العرض وفني، وهذا المذهب الذي ذهب إليه جهم وأخذه عن جالينوس الطبيب اليوناني وغيره في غاية البطلان، فإن الحياة وغيرها من الاعراض المشروطة بها، كالاحساس والحركة والإرادة وغيرها لا بد من سبب خارج عن تركيب البدن ومزاجه، وذلك هو الروح التي تحل بالبدن وقد أفاض أهل الأديان وغيرهم من الفلاسفة الروحانيين في الرد على مذاهب هؤلاء الطبيعيين وبيان فساد مقالتهم بوجوه ليس هنا محل بسطها.
فالشأن للأرواح بعد فراقها ... أبدانها واللّه أعظم شأن
إما عذاب أو نعيم دائم ... قد نعمت بالروح والريحان
وتصير طيرا سارحا مع شكلها ... تجني الثمار بجنة الحيوان
وتظل واردة لانهار بها ... حتى تعود لذلك الجثمان
لكن أرواح الذين استشهدوا ... في جوف طير أخضر ريان
فلهم بذاك مزية في عيشهم ... ونعيمهم للروح والأبدان
بذلوا الجسوم أربهم فأعاضهم ... أجسام تلك الطير بالاحسان
ولها قناديل إليها تنتهي ... مأوى لها كمساكن الانسان
الشرح:
يقسم المؤلف بأن شأن الارواح بعد مفارقتها لأجسادها بالموت شأن عظيم جدا، فهي لا تفنى بفناء الجسد لأنها ليست عرضا قائما به، بل تظل حية باقية، اما في عذاب مقيم إن كانت لكافر أو منافق، كما قال تعالى اخبارا عن فرعون وقومه: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وعَشِيًّا، ويَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ [غافر: 46] فدلت الآية على أن عرضهم على النار بالغداة والعشي قبل قيام الساعة.
و قال اخبارا عن قوم نوح عليه السلام: مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا

الصفحة 40