كتاب شرح القصيدة النونية = شرح الكافية الشافية - ط العلمية (اسم الجزء: 1)

أحرف بوازنها، أي بقدرها، وأن في هذه الجيمات الثلاث عند القوم لغزا بديعا من يحلله، فقد حل ذروة المعرفة وركب سنام الحقيقة، فإذا رأيت الثور- وهو أحد البروج التي تقطعها الشمس في حركتها الظاهرية جنوبي مدار السرطان في فصل الربيع- تتقارن فيه الجيمات الثلاث وتجتمع شر اجتماع، فاعلم بأن النحس كله نصيب الذي قد باء بالخذلان، فإن كل جيم منها نحس على صاحبها، فإذا اجتمعت كانت نحوسا وكانت أشأم طالع، فاحكم بطالعها النحس لمن حصلت له هذه الجيمات الثلاث واقترنت فيه بأن جمع بين القول بالجبر والإرجاء والتجهم بانخلاعه من ربقة الإيمان وعري اليقين.
فاحمل على الأقدار ذنبك كله ... حمل الجذوع على قوى الجدران
وافتح لنفسك باب عذر إذ ترى ... الأفعال فعل الخالق الديان
فالجبر يشهدك الذنوب جميعها ... مثل ارتعاش الشيخ ذي الرجفان
لا فاعل أبدا ولا هو قادر ... كالميت أدرج داخل الأكفان
والأمر والنهي اللذان توجها ... فهما كأمر العبد بالطيران
وكأمره الأعمى بنقط مصاحف ... أو شكلها حذرا من الألحان
وإذا ارتفعت دريجة أخرى ... رأيت الكل طاعات بلا عصيان
إن قيل قد خالفت أمر الشرع قل ... لكن أطعت إرادة الرحمن
ومطيع أمر اللّه مثل مطيع ما ... يقضي به وكلاهما عبدان
عبد الأوامر مثل عبد مشيئة ... عند المحقق ليس يفترقان
فانظر إلى ما قادت الجيم الذي ... للجبر من كفر ومن بهتان
الشرح:
هذا خطاب لصاحب الجيم الأولى وهي جيم الجبر الذي يزعم بأن الإنسان لا قدرة له ولا اختيار، وأنه مجبور على ما يقع منه من أفعال فهي ليست أفعالا له على الحقيقة، وإنما تنسب إليه على جهة المجاز، كما يقال: طلعت الشمس وهبت الريح، فالأفعال والتكليف بها والثواب والعقاب عليها، كل ذلك

الصفحة 406