كتاب شرح القصيدة النونية = شرح الكافية الشافية - ط العلمية (اسم الجزء: 1)

الشرح:
يصور لنا المؤلف في هذه الأبيات الرائعة مشهدا من مشاهد يوم القيامة حين يجمع اللّه المتخاصمين فيه ليحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون، هنالك يظهر الحق ويعلو ويذهب بأصحابه الى الجنة بررة مكرمين، ويسفل الباطل ويخزي ويذهب بأتباعه الى العذاب المهين، فيقول سل هذا المعطل الجاحد لصفات رب العالمين، ما ذا يكون جوابك عند ما تجتمع الفئتان المختصمتان عند اللّه.
أما احداهما وهي فئة التعطيل والانكار فقد كذبت على ربها وقالت عليه ما لا تعلم، وعولت في ذلك لا على القرآن والآثار، بل على ما عندها من زبالات الأذهان والأفكار، وسمت ذلك دلائل عقلية وقدمتها على النصوص الصريحة من الكتاب والسنة، وزعمت أنها أولى باسم البرهان من تلك النصوص لأنها يقينية، وأما النصوص، فلا تفيد الا غلبة ظن لا يغني في باب الاعتقاد، ولهذا تراهم اذا تعارض ظاهر النص مع ما يزعمونه قواطع عقلية، فانهم اما أن يؤولوا النص بما يصرفه عن هذا الظاهر الى معنى آخر يكون موافقا لما حكم به العقل.
و اما أن يفوضوا في معنى النص فيقولوا لا نعلم المراد به، وان كنا نعلم ان هذا الظاهر غير مراد.
و كذلك تجيب هذه الفئة الجاحدة ربما يوم القيامة بأنها كانت تقوم عليه بأنه ليس داخل هذا العالم ولا خارجه، وأن العرش خلو منه، فهو ليس فوق العرش بذاته، زعما منهم أنه لا يجوز عليه الحلول في المكان، لأن ذلك عندهم من خصائص الأجسام، وبأنه ليس هو المتكلم بالقرآن، اذ لا يجوز عليه الحرف والصوت، بل انما هو قول رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم، وانما نسبه سبحانه الى نفسه تشريفا له وتعظيما لقارئه، وبأنه لا ينزل كل ليلة الى سماء الدنيا، كما صرح الحديث الصحيح بذلك، لأن النزول من صفات الأجسام، وبأنه ليس له وجه ولا سمع ولا بصر، ومن باب أولى لا يكون له يدان، وبأن رؤيته بالأبصار مستحيلة في هذه الدنيا وفي الآخرة، اذ لا جهة له، وما لا يكون في جهة لا تمكن رؤيته، وبأنه ليس لأفعاله حكمة تفعل من أجلها، ويخصص كل فعل منها بزمانه

الصفحة 413